قال المحلل السياسي اللبناني خليل القاضي إن ملف سلاح "حزب الله" شكّل منذ سنوات محورًا أساسيًا للخلاف الداخلي اللبناني وعامل توتر إقليمي ودولي وسط تعدد الدعوات لنزعه أو تنظيمه ضمن إطار الدولة.
وأكد القاضي، لـ"الدستور"، أن معالجة هذا الملف المعقّد لا يمكن اختزالها بشعارات أو ضغوط سياسية، بل تتطلب قراءة دقيقة للوقائع السياسية والعسكرية والاجتماعية محليًا وخارجيًا، وفي هذا الإطار استعرض القاضي أبرز السيناريوهات الممكنة لنزع السلاح وفرص تحققها.
أولًا: السيناريو التفاوضي التدريجي
وأوضح "القاضي" أن المسار التفاوضي يقوم على فكرة أن نزع السلاح لا يمكن أن يتم بقرار أحادي، بل عبر مسار طويل الأمد تشارك فيه الدولة اللبنانية و"حزب الله"، مع دور فاعل للقوى الإقليمية والدولية.
وأشار إلى أن التفاوض قد يبدأ بترتيب أولويات مثل حصر السلاح الثقيل والصواريخ بيد الجيش اللبناني، ودمج بعض الوحدات القتالية ضمن المؤسسات الرسمية، وتعزيز دور الدولة في مناطق نفوذ الحزب، خصوصًا في الجنوب والبقاع.
وأضاف أن هذا السيناريو يصطدم بعوائق عدة، أبرزها غياب الثقة بين مكونات الداخل اللبناني، وهشاشة مؤسسات الدولة، واستمرار شعور الحزب بأنه مستهدف إقليميًا، ما يجعله يتمسك بسلاحه باعتباره "ضمانة وجود".
ورغم هذه التحديات اعتبر القاضي أن المسار التفاوضي يظل الأقل كلفة والأكثر قابلية للنجاح، بشرط أن يتوافر له دعم إقليمي واضح ورؤية لبنانية موحدة لبناء دولة قوية وعادلة.
ثانيًا: السيناريو العسكري – الفرض بالقوة
ولفت "القاضي" إلى أن بعض الأطراف تطرح نظريًا فكرة استخدام القوة لفرض نزع السلاح، سواء عبر الدولة أو تحالف محلي مدعوم خارجيًا، لكنه شدد على أن هذا الخيار محفوف بمخاطر جسيمة.
وحذر من أن اللجوء إلى القوة قد يؤدي إلى تفجر حرب أهلية واسعة تعيد لبنان إلى مربعات الخراب والانقسام، ويهدد بتوريط الجيش اللبناني في صراع داخلي معقد نظرًا لتركيبته الحساسة، كما قد يستدرج تدخلات إقليمية إضافية تزيد المشهد تعقيدًا.
وأكد أن معظم القوى المحلية والدولية تدرك أن الخيار العسكري غير واقعي عمليًا، وأن كلفته ستكون أكبر من أي مكسب محتمل.
ثالثًا: السيناريو الاقتصادي والسياسي – الضغوط غير المباشرة
تحدث القاضي عن استراتيجية التفكيك الناعم التي تعتمد على تضييق الخناق المالي على الحزب عبر العقوبات الدولية، وتحفيز المجتمع الشيعي على الانخراط أكثر في مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، وبناء معارضة سياسية داخلية تضعف الغطاء السياسي للحزب.
أوضح أن هذا المسار قد يؤدي إلى تآكل تدريجي في شرعية السلاح، لكنه يحتاج إلى سنوات طويلة لتحقيق نتائج ملموسة، مع احتمالية أن يواجه بردود فعل معاكسة قد تزيد من تمسك الحزب بدوره العسكري.
وأشار إلى أن استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان قد يخلق بيئة حاضنة لفكرة الاحتكام إلى السلاح بدل التخفيف منها.
رابعًا: السيناريو الإقليمي – ضمن تسوية كبرى
رأى "القاضي" أن سلاح "حزب الله" جزء لا يتجزأ من مشروع إقليمي مرتبط بإيران وصراعات النفوذ في المنطقة، مشيرًا إلى أن أي تسوية كبرى بين طهران والغرب أو بين إيران والدول العربية قد تفتح الباب أمام بحث مصير السلاح.
بيّن أن من بين السيناريوهات المحتملة تغيير وظيفة الحزب من مقاومة مسلحة إلى حزب سياسي، أو ربط قوته الدفاعية مباشرة بالجيش اللبناني، أو تحجيم ترسانته تدريجيًا مقابل ضمانات سياسية وأمنية، لكنه شدد على أن تحقيق هذا السيناريو يظل رهنًا بنجاح المفاوضات الإقليمية، خصوصًا بين إيران ودول الخليج والولايات المتحدة.
خامسًا: سيناريو الجمود – استمرار الوضع القائم
ورأى "القاضي" أن الاحتمال الأقرب في المدى المنظور هو استمرار الوضع الحالي دون تغيير جذري، حيث تبقى معادلة "السلاح مقابل الردع" قائمة، مع إدخال بعض التعديلات الشكلية مثل تقنين الظهور العلني للسلاح أو تجميد استخدامه داخليًا، دون تفكيك حقيقي له.
واختتم تصريحه بالتأكيد على أن الحل الواقعي لملف سلاح "حزب الله" يجب أن يقوم على مسار تفاوضي داخلي وخارجي متوازن وإصلاح شامل لمؤسسات الدولة يعيد بناء الثقة، بجانب توافق إقليمي يخفف من مناخات الصراع والاصطفاف.
وحذر من أن أي حلول فوقية أو أحادية ستؤدي حتمًا إلى الفوضى والانهيار، وهى النتيجة التي يدركها كثيرون حتى وإن لم يصرّحوا بها علنًا.