أ أ
في ظل التحديات البيئية والمناخية التي يواجهها العالم، تُعد التوجهات المستقبلية للاقتصاد الأخضر أحد أهم الحلول المبتكرة للحد من تأثير التغيرات المناخية وتعزيز الاستدامة, تسعى الدولة المصرية إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 وأهدافها الطموحة, تُعد هذه الرؤية جزءًا أساسيًا من مسيرة الجمهورية الجديدة، التي تعمل على تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للاقتصاد الأخضر، مع التركيز على تبني تقنيات مبتكرة تدعم الاستدامة وتقلل من الانبعاثات الضارة.
تشير التوقعات العالمية إلى أن الاقتصاد الأخضر سيكون محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي خلال العقود القادمة. وفقًا لتقارير منظمة العمل الدولية، يمكن أن يوفر التحول نحو الاقتصاد الأخضر ما يصل إلى 100 مليون وظيفة جديدة عالميًا بحلول عام 2030 ,وفي مصر، تُظهر البيانات المحلية أن الاستثمارات في المشروعات الخضراء قد بلغت نحو 5 مليارات دولار خلال السنوات الأخيرة، مما ساهم في خلق أكثر من 70 ألف فرصة عمل في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة وإدارة النفايات.
ففي مجال الطاقة، تُعد مصر واحدة من الدول الرائدة في تبني حلول الطاقة المتجددة. وفقًا لاستراتيجية الطاقة المستدامة، تهدف مصر إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديها لتصل إلى 42% بحلول عام 2035, وقد تم بالفعل إنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم في بنبان بأسوان، والتي تساهم في خفض انبعاثات الكربون بمقدار 2 مليون طن سنويًا, بالإضافة إلى ذلك، تعمل مصر على تطوير مشروعات طاقة الرياح في منطقة خليج السويس، حيث تصل القدرة الإنتاجية الحالية إلى 1.4 جيجاوات، مع خطط لزيادتها إلى 3 جيجاوات بحلول عام 2030.
وفي قطاع الزراعة، تُعد التكنولوجيا الزراعية الحديثة أحد الحلول المبتكرة لتعزيز الاستدامة وزيادة الإنتاجية, تشير بيانات وزارة الزراعة إلى أن مصر قد نجحت في تحويل أكثر من 2 مليون فدان إلى نظم الري الحديث، مما ساهم في توفير نحو 15 مليار متر مكعب من المياه سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق مشروعات زراعية تعتمد على الزراعة الذكية مناخيًا، والتي تهدف إلى زيادة الإنتاج الزراعي مع تقليل الانبعاثات الكربونية. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يمكن أن تساهم هذه المشروعات في زيادة الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 30%، مع تقليل استخدام المياه بنسبة 20%.
وعلى الجانب الاخر، وفي مجال النقل المستدام، تعمل مصر على تطوير وسائل النقل العام الصديقة للبيئة، حيث تم إطلاق أول خط للقطار الكهربائي الخفيف (LRT) في العاصمة الإدارية الجديدة، والذي يُتوقع أن يقلل انبعاثات الكربون بنسبة 30% مقارنة بوسائل النقل التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، تم تشغيل أول حافلة تعمل بالغاز الطبيعي في القاهرة، مما يعكس التزام الدولة بتحقيق الاستدامة في قطاع النقل ,ووفقًا لتقارير وزارة النقل، تهدف مصر إلى تحويل 50% من أسطول النقل العام إلى وسائل نقل صديقة للبيئة بحلول عام 2030.
اما في مجال إدارة النفايات، تُعد إعادة التدوير وتحويل النفايات إلى طاقة من الحلول المبتكرة التي تعمل مصر على تبنيها. وفقًا لبيانات وزارة البيئة، تم إنشاء أكثر من 20 مصنعًا لإعادة التدوير في مختلف المحافظات، مما ساهم في تقليل كمية النفايات التي يتم التخلص منها في المكبات بنسبة 25%, بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة في محافظة القاهرة، والذي يُتوقع أن ينتج نحو 30 ميجاوات من الكهرباء سنويًا.
وفي مجال التكنولوجيا المالية الخضراء، تعمل مصر على تعزيز الاستثمار في المشروعات الصديقة للبيئة من خلال إصدار السندات الخضراء. وفقًا لتقارير وزارة المالية، تم إصدار سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار في عام 2020، مما ساهم في تمويل مشروعات الطاقة المتجددة والنقل المستدام , وبالإضافة إلى ذلك، تعمل مصر على تطوير منصات تمويلية مبتكرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في القطاعات الخضراء.
اما فيما يخص مجال الصناعات الخضراء، تعمل مصر على تحويل القطاع الصناعي ليكون أكثر استدامة من خلال تبني تقنيات الإنتاج الأنظف ,وفقًا لتقارير وزارة التجارة والصناعة، تم تنفيذ أكثر من 100 مشروع صناعي يعتمد على تقنيات الإنتاج الأنظف، مما ساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 15% في القطاع الصناعي. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق مبادرة "الصناعة الخضراء" التي تهدف إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في تبني ممارسات صناعية مستدامة.
وفي مجال السياحة الخضراء، تعمل مصر على تعزيز مفهوم السياحة المستدامة من خلال تطوير منتجعات صديقة للبيئة. وفقًا لتقارير وزارة السياحة، تم إنشاء أكثر من 50 منتجعًا سياحيًا يعتمد على معايير الاستدامة البيئية، مما ساهم في جذب السياح المهتمين بالبيئة وزيادة الإيرادات السياحية بنسبة 10%. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق مبادرة "السياحة الخضراء" التي تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي بين العاملين في القطاع السياحي.
وكل تلك المجالات مدعومة بدراسات متقدمة من التعليم والبحث العلمي، حيث تعمل مصر على تعزيز الابتكار في مجال الاقتصاد الأخضر من خلال دعم الأبحاث العلمية. وفقًا لتقارير وزارة التعليم العالي، تم تمويل أكثر من 500 مشروع بحثي في مجال الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة وإدارة النفايات، مما ساهم في تطوير حلول مبتكرة لتعزيز الاستدامة, بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق برامج تدريبية لتعزيز مهارات الشباب في القطاعات الخضراء، حيث تم تدريب أكثر من 10 آلاف شاب على تقنيات الطاقة المتجددة والزراعة الذكية.
في الختام، يمكن القول إن التوجهات المستقبلية للاقتصاد الأخضر تُعد أحد أهم الحلول المبتكرة للحد من تأثير التغيرات المناخية وتعزيز الاستدامة. ومن خلال التزامها بتحقيق رؤية مصر 2030، تثبت الجمهورية الجديدة أنها قادرة على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية معًا، مما يعكس إرادة قوية لبناء مستقبل أكثر اخضرارًا واستقرارًا للأجيال القادمة.
د. عاطف الصغير, استاذ مساعد بكلية الزراعة