يُعد الحجاج بن يوسف الثقفى إحدى أبرز الشخصيات المثيرة للجدل فى التاريخ الإسلامى، حيث يتمحور الحديث حوله بين مدح وذم، عُرف ببراعته فى الإدارة السياسية والعسكرية، وكان يُضرب به المثل فى الظلم وسفك الدماء، وهو ما يجعل تقييم شخصيته معقدًا، ولذا تطرح العديد من التساؤلات حول شخصيته وأعماله، هل كان ظالمًا طاغيًا أم كان له فضل على الإسلام؟، هذا السؤال يستدعى النظر فى جوانب شخصيته وإنجازاته، ومقارنة آراء المؤرخين حولها.
عند النظر إلى شخصية الحجاج بن يوسف، الذى تولى حكم العراق فى زمن الخليفة الأموى عبدالملك بن مروان، يتضح أنه كان شخصية مركبة تجسد الازدواجية بين الظلم والفضل، فقد كان حاكمًا قاسيًا سفاكًا للدماء، استباح الحرم ورمى الكعبة المشرفة بالمنجنيق، ولم يحفظ حرمة رسول الله محمد «صلى الله عليه وسلم» فى أصحابه، ولم يلتزم بوصيته تجاه أهل العلم والفضل والصلاح من أتباع الصحابة. وكان يُعرف بموقفه العدائى تجاه على بن أبى طالب «رضى الله عنه وآل بيته»، ما عزز من سمعة الحجاج كحاكم مستبد.
ترتبط شخصية الحجاج بصفحات قاتمة من التاريخ الإسلامى، حيث تشير بعض الروايات إلى أنه قتل نحو 120 ألف مسلم، منهم صحابة وتابعون، ومن أبرز الضحايا عبدالله بن الزبير، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سعد بن أبى وقاص، كما عُرف عنه قسوته فى إدارة الأمور، حيث كان يتعامل مع الخصوم بصرامة وعنف، ما ترك بصمات مؤلمة فى التاريخ الإسلامى.
يُعد الحجاج مثالًا للظلم، حيث قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: «نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال القرآن: ألا لعنة الله على الظالمين».
كما وصفه العلامة الذهبى بقوله: «كان ظلومًا جبارًا ناصبيًا خبيثًا سفاكًا للدماء.. فنسبه ولا نحبه بل نبغضه فى الله»، ومع ذلك، أقر بأنه كان يتمتع بشجاعة ودهاء وفصاحة، وتعظيم للقرآن، وأن له بعض الحسنات المغمورة فى بحر ذنوبه، ما يفتح المجال للنظر فى الجوانب الإيجابية التى قد تمتاز بها شخصيته.
فيما قالت الصحابية أسماء بنت أبى بكر الصديق للحجاج: «قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فى ثقيف كذابًا ومبيرًا، أى قاتل، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت ذاك».
كما قام الأصمعى بنقل قول عبدالملك بن مروان للحجاج يومًا: «ما من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه، فصف عيب نفسك»، فقال الحجاج: «أنا لجوج حقود حسود»، ورد عليه عبدالملك بالقول: «إذًا بينك وبين إبليس نسب».
بل ذهب بعض العلماء إلى تكفيره، وأن أكثر العلماء لم يروا كفره، حيث إن بعض الصحابة كأنس وابن عمر كانوا يصلون خلفه، ولو كانوا يرونه كافرًا لما فعلوا ذلك.
ومع ذلك ورغم سياسة القمع والبطش التى اتبعها الحجاج، إلا أن إنجازاته الكبيرة فى مجالات الإدارة والثقافة والفتوحات تبقى محفورة فى التاريخ، فقد استطاع الحجاج، خلال فترة حكمه، أن يعيد النظام فى ربوع العراق، حيث قضى على الفتن والفوضى وأعاد الأمن، كما قضى على الخوارج وقتل زعيمهم قطرى بن الفجاءة، حيث كانوا يشكلون تهديدًا كبيرًا لاستقرار الدولة الإسلامية.
أيضًا بعث الحجاج الجيوش لنشر الإسلام فى البلدان الأخرى، ومن أبرز الفتوحات التى تحققت فى عهده فتح بلاد ما وراء النهر، التى تعرف اليوم بكازاخستان وأوزبكستان، بالإضافة إلى ذلك، أرسل ابن عمه محمد بن قاسم الثقفى إلى بلاد الهند والسند، حيث تمكّن من فتح مدنها ونشر الإسلام فى ربوعها.
هذا فضلًا عن أن كان للحجاج دور بارز فى الإصلاحات الإدارية داخل الدولة، فقد عرّب الدواوين وأصلح العملة وأحدث تغييرات جذرية فى مجالات الزراعة وسياستها، كما منع بيع الخمور، وأمر بعدم النواح على الموتى، كما قام ببناء الجسور على الأنهار فى العراق، وأقام الصهاريج لتخزين مياه الأمطار، وحفر الآبار فى المناطق القاحلة، ما أسهم فى توفير مياه الشرب للمارة.
ومن أعظم إنجازاته العمرانية، بناء مدينة وسط بين البصرة والكوفة واتخذها مقرًا لحكمه.
ويقف ابن كثير فى قائمة المؤرخين الذين حاولوا إنصاف الحجاج، حيث قال: قد كان حريصًا على الجهاد وفتح البلاد، وكان كريمًا مع أهل القرآن، ولما مات لم يترك بعد وفاته إلا 300 درهم، وإن كان متسرعًا فى سفك الدماء، فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها وخفيات الصدور وضمائرها.
ويقول بعض السلف: كان الحجاج يقرأ القرآن كل ليلة وكان فصيحًا صاحب مواعظ بليغة، كريمًا، شديد الذكاء، معروفًا ببعده عن صفات النفاق الثلاث، عُرف أيضًا بشجاعته وحبه للشعر.
بينما قال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغسانى عن أبيه عن جده عن عمر بن عبدالعزيز، إنه قال: ما حسدت أحدًا، حسدى الحجاج على حبه القرآن وإعطائه أهله عليه»، وقوله حين حضرته الوفاة: اللهم أغفر لى فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل.
ولا عجب فى حبه للقرآن، إذ إن والده كان معلمًا للقرآن بلا مقابل، أيضًا الحجاج بدأ حياته معلمًا للقرآن حتى انضم إلى الشرطة، وهو الذى أمر بتشكيل القرآن وفق القراءة المعتمدة فى زمن عثمان بن عفان.
خلاصة القول، يبقى الحجاج شخصية مثيرة للجدل والاهتمام، ومثالًا للسلطة التى يمكن أن تترك بصمة فى التاريخ، سواء كانت تلك البصمة محبوبة أو مكروهة.