الأربعاء 30/أبريل/2025 - 07:51 م
في ظل حالة من الترقب المشوب بالحذر، تشهد القاهرة جولات تفاوضية غير مباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، بوساطة مصرية- قطرية، وبدعم دولي يتراوح بين واشنطن وأطراف أوروبية، ورغم نجاح المرحلة الأولى من صفقة التبادل أواخر العام الماضي، فإن المرحلة الثانية تواجه عراقيل متزايدة، في مشهد تفاوضي معقد يتأرجح بين وعود الانفراجة وتصعيد ميداني يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
هيكل التفاوض
الخطوط العريضة للصفقة باتت معروفة: تحرير بقية الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة منذ السابع من أكتوبر، مقابل الإفراج عن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين، بينهم قيادات بارزة وأسرى محكومون بالسجن المؤبد، لكن تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة يواجه تعثرًا لافتًا، بعد تجدد العدوان الإسرائيلي على القطاع خلال الشهرين الماضيين، ما أعاد خلط أوراق التهدئة، وأثار شكوك حماس بشأن نوايا إسرائيل وجدية التزاماتها.
شرط أم نتيجة؟
أحد أبرز أسباب تعثر المرحلة الثانية يتمثل في تباين مقاربات الطرفين لمسار التهدئة. فحماس تصرّ على الربط بين الإفراج عن الأسرى وبين وقف شامل ومستدام لإطلاق النار، بما يشمل انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من قطاع غزة، وبدء عملية إعادة الإعمار وعودة النازحين.
أما إسرائيل، فترغب في استكمال عملية الإفراج عن رهائنها دون التزامات نهائية بوقف الحرب، على أمل استثمار الوقت عسكريًا وتحقيق مكاسب ميدانية تتيح لها تعديل ميزان التفاوض لصالحها.
الهوة بين الطرحين تتسع مع كل جولة تفاوض، وحماس تعتبر أي صيغة مجتزأة بمثابة «خديعة سياسية» تفرغ الصفقة من مضمونها.
عوامل ضاغطة
التحولات السياسية في واشنطن تُلقي بظلالها على مجمل العملية. عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بخطاب داعم بلا تحفظ لحكومة نتنياهو، قلّصت هامش المناورة أمام الوسطاء، ودفعت كلا الطرفين إلى إعادة حساباته، أما حماس فتخشى من تحوّل الموقف الأمريكي إلى غطاء دائم للعدوان، فيما ترى تل أبيب في هذا الانحياز فرصة لفرض شروط أشدّ صرامة وتأجيل أي استحقاقات تفاوضية شاملة.
حسابات ميدانية
في إسرائيل، يبرز انقسام بين المؤسستين العسكرية والسياسية. الجيش الإسرائيلي يميل إلى صفقة شاملة تخفف الضغط الشعبي وتعيد بعض الرهائن، لكنه يصطدم بتردد القيادة السياسية التي تخشى أن يُفهم أي اتفاق على أنه اعتراف بعدم تحقيق «نصر حاسم».
في المقابل، تعوّل حكومة نتنياهو على عملية عسكرية محدودة في رفح، تعيد خلط الأوراق وتفرض وقائع جديدة على الأرض، أما حماس، فترى أن العدوان المتكرر يضعف ثقة الحركة في نوايا الوسطاء وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ويؤكد ضرورة وجود ضمانات دولية حقيقية قبل الانتقال إلى المرحلة التالية من الصفقة.
القاهرة والوسطاء
الوساطة المصرية، مدعومة بتنسيق قطري وانخراط أمريكي وأوروبي، تسعى إلى فكفكة الأزمة المعقدة، عبر صيغة تضمن لكل طرف الحد الأدنى من مطالبه، وتحاول القاهرة طمأنة حماس بشأن التزامات إسرائيل، دون عرقلة تل أبيب أو السماح لها بانفجار أمني على الحدود.
قطر تواصل إدارة قنواتها الإنسانية والمالية مع غزة، فيما تتابع واشنطن عن كثب دون فرض خطة خاصة بها. أما الأوروبيون، فيركزون على وقف التدهور الإنساني والحؤول دون اتساع أزمة اللاجئين.
السيناريوهات المحتملة
رغم العقبات، لا تزال الخيارات مفتوحة أمام الوسطاء (استئناف تنفيذ الصفقة على مراحل، بحيث يُفرج عن دفعة جديدة من الرهائن مقابل أسرى فلسطينيين، دون حسم نهائي لمسار التهدئة.. اتفاق شامل ينهي الحرب، وهو خيار يلقى قبولًا دوليًا لكنه يتطلب قرارات جريئة في تل أبيب وتحولات سياسية غير مرجحة على المدى القريب.. انهيار المسار التفاوضي وتصعيد شامل في رفح، ما قد يفتح الباب أمام كارثة إنسانية جديدة وتدويل الملف في مجلس الأمن).
ورغم ما يُنقل من تفاؤل حذر في كواليس التفاوض، فإن هشاشة المسار وارتباك المواقف، يجعل أي تقدم رهنًا بإرادة سياسية شجاعة وضغط دولي منسق. وإذا نجحت القاهرة والدوحة في دفع المرحلة الثانية نحو التنفيذ، فقد نشهد واحدة من أضخم صفقات التبادل في الصراع العربي- الإسرائيلي منذ صفقة شاليط، بوزن سياسي وإنساني مضاعف.