شهدت أسواق الدواجن والبيض في مصر خلال الآونة الأخيرة، موجة من التراجع الكبير في الأسعار، مما أثار اهتمام مختلف الأطراف المعنية سواء من المستهلكين أو المنتجين أو المحللين الاقتصاديين.
هذا التراجع جاء نتيجة لعدة عوامل تداخلت معا لتحدث تأثيرًا مباشرًا على الأسعار المحلية، في مقدمتها زيادة حجم المعروض من المنتجات في الأسواق مقارنة بالطلب، إضافة إلى استقرار أسعار الأعلاف والمواد الخام، وكذلك تحسن المناخ العام الذي عزز الإنتاجية.
سنعرض في هذا السياق آراء المتخصصين في القطاع، وتحليل الخطط الحكومية والإصلاحات المقترحة لدعم استدامة النمو والاستقرار في سوق الدواجن والبيض بمصر.
تراجع حاد في أسعار البيض بنسبة 50% بعد رمضان
أوضح أحمد نبيل، رئيس شعبة بيض المائدة باتحاد منتجي الدواجن، أن أسعار البيض شهدت تراجعًا لافتًا منذ انتهاء شهر رمضان المبارك، حيث وصلت نسبة الانخفاض إلى 50%، وهو مؤشر غير مسبوق خلال السنوات الماضية.
وأكد نبيل في تصريحات خاصة لـ" الدستور" أن سعر طبق البيض الذي كان يتجاوز 155 جنيهًا في المزرعة، تراجع إلى نحو 100 جنيه فقط، مما يشير إلى زيادة كبيرة في حجم المعروض، مدعومًا باستقرار إنتاج البيض في السوق المصري.
وسلَّط نبيل، الضوء على أن الأزمة التي مر بها القطاع في عام 2023، والتي أدت إلى خروج عدد من صغار المربين بسبب ارتفاع التكاليف، قد تم تجاوزها بعد عودة كثير من هؤلاء المربين إلى العمل نتيجة تحسن ظروف السوق حاليًا.
وأضاف رئيس شعبية بيض المائدة إلى أن مصر تنتج ما بين 800 إلى 900 ألف كرتونة بيض يوميًا، وهي كمية كفيلة بتلبية الطلب المحلي بل وتوفير فائض يسمح بالتصدير.
وأشار نبيل إلى أن هذا التحسن يعود بشكل أساسي إلى استقرار أسعار الأعلاف، والتي تشكل الجزء الأكبر من تكلفة الإنتاج، إلى جانب تحسن سعر الصرف الذي كان يؤثر على مدخلات الإنتاج المستوردة، وفي ظل هذه الظروف المواتية، يبدو أن قطاع الدواجن يسير نحو استعادة عافيته تدريجيًا، مما انعكس بشكل مباشر في انخفاض الأسعار، وأعاد الأمل إلى المنتجين والمستهلكين على حد سواء ومع استمرار هذا الاتجاه، يتوقع نبيل أن تشهد الأسواق مزيدًا من الاستقرار خلال الأشهر المقبلة.
العرض والطلب المحرك الرئيسي للسوق.. ولدينا فائض للتصدير
من جهته، أكد ثروت الزيني، نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن، أن مبدأ العرض والطلب يبقى هو العامل الأساسي الذي يتحكم في أسعار البيض والدواجن في الأسواق المصرية، وأوضح أن التراجع الحالي في الأسعار جاء كنتيجة طبيعية لزيادة حجم المعروض، بالتوازي مع استقرار أسعار الأعلاف والخامات الضرورية للإنتاج، واستقرار سعر العملة المحلية أمام الدولار، مما ساعد على تحقيق استقرار نسبي في السوق.
وأشار الزيني في تصريحات خاصة لـ" الدستور" إلى أن الأسواق تشهد حاليًا وفرة ملحوظة في المعروض من الدواجن والبيض، ما دفع وزارة الزراعة إلى اتخاذ قرارات مهمة بتصدير مليون بيضة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومليون أخرى إلى ليبيا، في خطوة وصفها بأنها شهادة دولية بجودة المنتج المصري.
وأشار إلي أن هذا الفائض ساهم في تقليص الأسعار، حيث تراجعت أسعار الدواجن بنحو 20%، فيما انخفضت أسعار البيض بنسبة 33%، أما أسعار الكتكوت فقد سجلت تراجعًا بنسبة 25% مقارنة بالفترة السابقة.
وبين أن أحد أهم أسباب هذا الاستقرار يعود إلى تأمين احتياطي من الأعلاف يكفي لتغطية احتياجات السوق لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، وهو أمر حاسم لضمان عدم عودة الأسعار للارتفاع المفاجئ.
وشدد الزيني على أهمية الحفاظ على هذا التوازن عبر استمرار التدخلات الحكومية وتنظيم السوق بما يضمن استقرار العرض والطلب.
تفعيل بورصة الدواجن... هل تكون الحل السحري لقطاع الدواجن؟
كشف سامح السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية في الجيزة، أن هناك خطوات جادة نحو تفعيل بورصة الدواجن خلال الفترة المقبلة، وهو مشروع ظل حلمًا يراود العاملين بالقطاع منذ سنوات طويلة، وبين أن تفعيل هذه البورصة سيسهم في تحقيق الشفافية والعدالة في تسعير الدواجن والبيض، حيث سيتاح تسعير يومي واضح يخضع لمعايير العرض والطلب الفعلية دون تدخلات أو مضاربات تؤدي إلى إرباك الأسواق.
أشار السيد في تصريحات حاصة لـ" الدستور" إلى أن اجتماعًا حكوميًا موسعًا عُقِدَ مؤخرًا لمناقشة الخطوات التنفيذية لتفعيل البورصة، وشمل الاتفاق على إشراك السماسرة كأطراف أساسية في المنظومة، ولكن تحت إشراف الجهات الرسمية لضمان ضبط الأداء ومنع التلاعب بالأسعار.
كما تطرق إلى ضرورة تفعيل قانون منع تداول الطيور الحية، الذي كان قد صدر في عام 2009، لما لهذا القانون من أهمية في تقنين عملية التخزين خلال فترات الركود، وبالتالي الحفاظ على استقرار السوق في المواسم الحيوية.
وأوضح السيد أن مصر تمتلك البنية التحتية الكافية، من مجازر متطورة إلى إمكانات تخزين مبردة، تتيح لها تنفيذ هذه الخطة بفاعلية، كما أن هناك مبادرات لتزويد محال بيع التجزئة بثلاجات مبردة لتداول الدواجن المجمدة، مما يوسع من خيارات السوق للمستهلكين.
وأكد أن هذه الخطوات لن تضمن فقط استقرار الأسعار، بل ستدفع بالمربين إلى ضخ استثمارات جديدة والدخول في دورات إنتاجية متتالية، بما يعزز الأمن الغذائي ويقلل من حاجة السوق إلى الاستيراد في أوقات الأزمات.
استدامة الاستقرار
وبحسب خبراء القطاع، يرتبط الحفاظ على استقرار الأسعار بضرورة تأمين استمرار تدفق الأعلاف والخامات الأساسية بأسعار مستقرة، لضمان عدم ارتفاع تكاليف الإنتاج مجددًا.
وفي ظل الاهتمام المتزايد، يبدو أن مصر أمام فرصة حقيقية لإعادة تنظيم سوق الدواجن والبيض بشكل حديث وعصري، يضمن الاستمرارية والتوازن بين العرض والطلب، مع توفير منتج محلي ذي جودة عالية وأسعار عادلة للمستهلكين.