الخميس 24/أبريل/2025 - 01:09 م
مفارقة سقراط الشهيرة عندما قيل له إنه أحكم الناس فأجاب: "لأنني الوحيد الذي يعرف أنه لا يعرف"؛ هذا التواضع المعرفي هو ما يجعلك تفتح عقلك للتعلم، فالجاهل يظن أنه يعلم كل شيء بينما الحكيم يشك في كل شيء حتى يتبيّن (الوصية الرابعة من وصايا سقراط العشر).
لقد ثبتُ بالدليل القاطع أن الكلاب هي أوفي الكائنات الحية على الأرض؛ كما ثبُت أن الكلاب ليست بمخلوقات نجسة كما يزعم البعض، لأن الله سبحانه وتعالى باختصار لا يخلق كائنا نجسا وعلى سورة الكهف دليل دامغ على تكريم الله العلي العظيم لكائن الكلب، ورأي دار الإفتاء بمصر مؤخرًا في مسألة نجاسة الأماكن التي يقطنها الكلاب جاء قاطعا إذ سمح بالصلاة بها.
وفي هذا الصدد دعوني أروي لكم عن رحلة إلى مدينة الضباب لندن، كان يرافقني فيها صديقي الفنان خالد سرحان عام 2007، وأثناء خروجنا من فندق إقامتنا بميدان راسيل الشهير فوجئنا بكردون من الشرائط الصفراء التي طوقت مساحة أمام بناية عريقة، وقد وقفت في وسط هذا الطوق سيارة لإسعاف الحيوانات كانت جاهزة لاستقبال كلب من نوع Labrador Retriever لابرادور قد خرج محمولًا بواسطة مجموعة مسعفين إلى سيارة الإسعاف في وجود شرطي على أعلى مستوي؛ وبسؤالنا عن سبب هذا الجمع غير المألوف لنا أجابنا صاحب محل أسفل البناية أن سكان البناية قد اشتكوا من نباح الكلب طوال الليل وقاموا بإبلاغ الشرطة التي حضرت واكتشفت أن صاحب الكلب قد تركه وحيدا ولم يعود إلى المنزل إلا في صباح اليوم التالي وعليه بدأت تحريات الشرطة عن سبب نباح الكلب وعلموا أن صاحبه لم يترك له الأكل والشراب الكافي !! وقرروا اقتحام الشقة وإنقاذ الكلب وها هو الآن يتجه إلى مشفى الحيوانات من اجل الكشف على صحته النفسية جراء إهمال صاحبه له !! وبسؤالنا عن موقف صاحبه أجاب الرجل أنه متوقف علي تقرير المستشفي البيطري فإذا ثبُت أنه قد تأثر سلبًا جراء إهمال صاحبه له فقد يتعرض الرجل إلى عقوبة السجن !!!!
إلى هذه الدرجة الرفيعة من الإنسانية تُعامَل الحيوانات في الدول المتقدمة؛ بهذه الرحمة تسير الأمور بسلاسة، في صورة ذكّرتني بقول الإمام محمد عبده حينما تحدث عن تجربته في فرنسا عام 1881م، قائلًا مقولته المأثورة: رأيتُ إسلامًا بلا مسلمين.
عودة إلى عام 2025، حيث طبيب بيطري يحقن كلبًا - خانه صاحبه وألقى به في شوارع طنطا - بحقنة هواء!!، ثم فيديو منتشر على وسائل التواصل الاجتماعي لكلبٍ مقيّد، وقد تم توصيل كابلات الكهرباء به، ويتم صعقه حتى الموت!!، وكلبٍ يُذبَح بسيف!!، وآخر، نزلتُ من بنايتي بالدقي لأجده مفترشًا الرصيف، وقد التفّ حوله البوّاب وأسرته (أصحابه الذين ربّوه، وهو كلب بلدي أليف طيب يُدعى "داكس"، والكل في شارعنا يعرفه ويعطف عليه)، يبكونه، بعد أن قام جارٌ بدس السم له في قطعة دجاج!!، وغيره وغيره وغيره من حوادث البشر ضد الحيوانات!!!
ماذا أصاب البشر؟!، وأي قسوة هذه التي أصبحت ظاهرة مرضية تستوجب وقفة تشريعية عاجلة؟!
الكلب يا سادة، مخلوق وفيّ، إذا أطعمته امتلكته، عكس كثير من البشر الذين إن أطعمْتهم، قد يخوضون في عرضك!!، الكلب يا سادة، إذا مرض صاحبه، توقف عن الطعام وجلس أسفل قدميه في حزن حقيقي - فهو كائن لا يجيد التمثيل - عكس أبناء قد يحسبون الميراث في أوقات مرض الوالدين، الكلب يا سادة، صاحبه هو كل حياته، عكس صاحبه الذي يتمتع بعوالم كثيرة، من ضمنها كلبه.
الكلب يا سادة لا يسرق، لا يقتل، لا يخون، لا يكذب، لا يزني، لا يثور، لا يتخابر مع دول معادية، لا يأكل الحقوق، لا يتزوج سكرتيرته اللعوب، لا ينضم لجماعات إرهابية، لا يتحرش بالأطفال، لا يغتصب السيدات، لا يحارب بالأسلحة الكيماوية أو الذرية، لا يتاجر في الأعضاء البشرية، لا يتاجر بالدين، لا يعرف الشذوذ، لا يعمل أعمالًا سفلية لجلب الحبيب، لا يتاجر في المخدرات، لا يحتكر العملات، ولا يفرض أسعارًا على البضائع بانتهازية.
الكلب، لمن لم يعاشره، صاحب حقيقي، يتحلى بصفات وسمات نقية بالفطرة، ولذلك، لا يستحق أبدًا تلك الوحشية والروح العدائية الشريرة التي سيطرت على بعض البشر مؤخرًا.
وعلى الجميع أن يُفرّق بين الكلب الحيوان، وبين الكلب المسعور الذي لا بد من التعامل معه بحذر وبما تقتضيه الضرورة.
وأخيرًا، أود أن أُنوّه إلى أن نسبة الكلاب المسعورة إلى البشر المسعورين، نسبة يتفوّق فيها مسعورو البشر بجدارة، فاتقوا الله، وارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء.