في صفحات التاريخ الشعبي، تحتل مهنة الزيات مكانة مميزة ضمن المهن التقليدية التي كانت تشكل جزءا من الحياة اليومية في المجتمعات العربية. فقد كان الزيات شخصية مألوفة في الأسواق والحواري، يؤدي دورًا بالغ الأهمية في حياة الناس، قبل أن تندثر هذه المهنة تدريجيًا مع تطور الحياة الحديثة ودخول الآلات والتقنيات الصناعية.
تعريف مهنة الزيات
الزيات هو الشخص المتخصص في بيع الزيوت النباتية، مثل زيت الزيتون وزيت السمسم وزيت الخروع وزيت النخيل، وكان في بعض الأحيان يعمل على استخراجها يدويًا باستخدام أدوات تقليدية. لم يكن عمله مقتصرًا على البيع فقط، بل كان يمتلك معرفة جيدة بأنواع الزيوت وفوائدها واستخداماتها، سواء في الطهي أو في الطب الشعبي أو في العناية بالجسم.

أدوات الزيات
كان الزيات يستخدم أدوات بسيطة لكنها فعالة، مثل المعاصر الحجرية أو الخشبية التي تعمل يدويا أو بمساعدة الحيوانات، بالإضافة إلى أوعية مصنوعة من الفخار أو الجلد لحفظ الزيوت ونقلها. وكان يعتمد على التذوق والشم لتحديد جودة الزيت ونقائه.

أهمية المهنة في المجتمع
احتلت مهنة الزيات مكانة اقتصادية وصحية واجتماعية في المجتمعات القديمة. فقد كان الناس يعتمدون على الزيوت في طعامهم اليومي، كما كانوا يلجأون إلى الزيات في حالات علاجية، مثل التداوي من أمراض الجلد أو آلام المفاصل. وكان الزيات يعد مرجعا موثوقا في هذا المجال، يعرف خصائص كل نوع من الزيوت وطرق استعماله.

أسباب اندثار المهنة
مع مرور الوقت، بدأت هذه المهنة بالتراجع نتيجة عدة عوامل، أبرزها:
انتشار المصانع التي تنتج الزيوت بكميات ضخمة وبأسعار أرخص.
ظهور المتاجر الكبرى التي توفر الزيوت المعلبة الجاهزة.
تراجع الاعتماد على الطب الشعبي وبدائله.
فقدان الجيل الجديد للاهتمام بالمهن اليدوية التقليدية.

الحنين إلى الماضي
رغم اندثار مهنة الزيات، لا تزال بعض الذكريات والصور القديمة تذكر الناس بجمال تلك المهنة وخصوصيتها.. كما أن بعض القرى والمناطق الريفية لا تزال تحافظ على تقاليد صناعة الزيت بطريقة تقليدية، مما يحيي التراث ويعزز الهوية الثقافية.
إن مهنة الزيات ليست مجرد حرفة اندثرت، بل هي مرآة لزمن كانت فيه البساطة تحكم الحياة، وكانت الحرف اليدوية تمثل عصب الاقتصاد المحلي. وإن إحياء هذا التراث أو توثيقه يعد مسؤولية ثقافية تجاه الأجيال القادمة، حتى لا يضيع هذا الجزء الثمين من تاريخنا الشعبي.

