أ أ
في عالم الحيوانات، تتجلى غرائب الطبيعة في أبهى صورها، وتعتبر عملية تكاثر النعام واحدة من أكثر العمليات البيولوجية إثارة للاهتمام. فمن المغازلة المعقدة للذكور إلى الرعاية المشتركة للصغار، يمثل تكاثر أكبر طائر على وجه الأرض دورة حياة فريدة تتطلب تضافر جهود الأنثى والذكر لضمان استمرار النسل.
تبدأ فصول هذه الحكاية مع حلول موسم التكاثر، الذي يمتد عادة من مارس إلى سبتمبر، حيث يتحول ذكر النعام إلى ملك متوج بألوان زاهية وسلوكيات مميزة. تتغير ألوان ساقيه ومنقاره إلى الأحمر الناري، وتتضخم خصيتاه استعدادًا للدور الحاسم الذي سيقوم به. يصاحب هذا التحول زيادة في عدوانية الذكر وإطلاقه لأصوات قوية تخترق سكون البراري لجذب قلوب الإناث.
تتجسد فنون الإغراء في سلسلة من الحركات الاستعراضية التي يقدمها الذكر، مستعرضًا قوته وجمال ريشه في رقصة فريدة. يهز الذكر ريشه بفخر، ويحرك ذيله للأعلى والأسفل في إيقاع ساحر، وينحني على الأرض في لفتة ود. ثم يدور حول الأنثى المختارة، مثنيًا ركبتيه ورافعًا جناحيه الضخمين، بينما يحرك رأسه بخفة تحت جناحيه، مصدراً صوتًا عميقًا يشبه زئير الأسد، علّه يأسِر قلب الأنثى.
عندما تستجيب الأنثى لهذا العرض الملكي، فإنها تعلن عن استعدادها للتزاوج بالبروك على الأرض، إشارة واضحة للذكر. تبدأ بعدها عملية الجماع، حيث يميل الذكر بجسده الضخم من جانب إلى آخر، بينما تُرخي الأنثى ظهرها ورأسها على الأرض في استسلام. قد يتكرر هذا اللقاء الحميم عدة مرات في اليوم الواحد، وتكفي تلقيحة واحدة من الذكر لإخصاب بويضات الأنثى لمدة تصل إلى أسبوع كامل.
بعد حوالي شهر من هذا اللقاء، تبدأ الأنثى رحلة الأمومة بوضع بيضة واحدة كل يومين أو ثلاثة أيام. يبلغ متوسط إنتاجها السنوي من البيض ما بين 35 إلى 55 بيضة، وقد ترتفع هذه النسبة في بعض الحالات لتصل إلى 100 بيضة. تضع الأنثى المهيمنة بيضها في العش المركزي الذي يتم تجهيزه بعناية، بينما قد تضع الإناث الأخريات بيضًا حول هذا العش المركزي.
تتشارك الأم والأب مسؤولية حضانة هذا الكنز الثمين لمدة تتراوح بين 39 إلى 53 يومًا. تتولى الأم الحضانة خلال ساعات النهار الدافئة، بينما يحافظ الأب على دفء البيض خلال ليالي الصحراء الباردة. يقوم الوالدان بتقليب البيض بانتظام لضمان توزيع الحرارة بشكل متساو وتجنب أي تراكم للمواد الضارة التي قد تعيق نمو الجنين.
في النهاية، تبدأ رحلة حياة جديدة مع فقس البيض وخروج صغار النعام إلى العالم. يخرج الصغير بحجم دجاجة تقريبًا، ويحظى برعاية وحماية والديه تحت أجنحتهما الواسعة حتى يكبر ويشتد عوده. يحتاج صغير النعام حوالي ستة أشهر للوصول إلى حجم والديه البالغين، ويبلغ سن النضج الجنسي خلال سنتين إلى ثلاث سنوات، ليبدأ بدوره دورة الحياة من جديد.
تعتمد نجاح عملية تكاثر النعام على عدة عوامل حيوية، من التغذية الجيدة والمتوازنة التي تضمن خصوبة الطيور وجودة البيض، إلى توفير بيئة هادئة وآمنة تساهم في سير العملية الطبيعية دون إخلال. كما تلعب نسبة الذكور إلى الإناث دورًا هامًا في زيادة معدلات الإخصاب، وتتطلب مراقبة دقيقة لسلوك الذكور خلال موسم التكاثر لضمان قيامهم بواجبهم بكفاءة، مع تجنب إجهادهم لضمان استمرار خصوبتهم على المدى الطويل.