رغم مكانته التاريخية العريقة، لم يعد شارع" المعز" يعكس مجده الذي امتد لقرون. فبدلًا من كونه متحفًا مفتوحًا يعبر عن روعة العمارة الإسلامية، بات يعاني من الإهمال والفوضى التي شوهت ملامحه الأصيلة. النفايات المتراكمة، والسواد الذي يكسو جدرانه بفعل التلوث، والمياه الراكدة التي تشوه المشهد العام، كلها مظاهر باتت مألوفة لزوار الشارع، مما أفقده رونقه الذي لطالما ميزه كوجهة سياحية وثقافية.
ولم تتوقف المشكلات عند هذا الحد، بل أصبحت العشوائية سمة طاغية على المكان، بدءًا من انتشار المصورين غير المنظمين الذين يلتقطون الصور للمارة دون إذن أو يلحّون عليهم لإجراء جلسات تصوير غير مرغوبة، وصولًا إلى المقاهي والكافيهات العشوائية التي استحوذت على أجزاء من الطريق، حيث تُحتل الأرصفة بالكراسي، وتصدح الموسيقى الصاخبة التي تطغى على الأجواء الروحانية التي طالما ميزت الشارع. وقد أدى ذلك إلى التعدي على الطريق العام، وإعاقة حركة المشاة، وفقدان الشارع لهويته كمساحة ثقافية وسياحية راقية.
وعلى الرغم من التواجد الأمني عند مداخل الشارع ومخارجه، إلا أن الفوضى لا تزال مستمرة داخله، خاصة مع دخول السيارات إليه بشكل غير قانوني، رغم كونه ممرًا مخصصًا للمشاة، فضلًا عن العديد من المشكلات الأخرى التي تهدد طابعه التاريخي.
لطالما ارتبط شهر رمضان بشارع المعز، حيث يتحول إلى لوحة فنية مبهرة تتزين بالفوانيس والزينة، ويزدحم بالزوار الذين يأتون للاستمتاع بالأجواء الرمضانية الفريدة. إلا أن الواقع اليوم بات مختلفًا؛ فالعشوائية حلت محل الهدوء، والصخب طغى على الأجواء الروحانية، مما أفقده جزءًا كبيرًا من سحره القديم، وجعل المشهد أشبه بسوق تجاري فوضوي، لا يعكس قيمته التاريخية.
لا يمكن إنكار الجهود التي بذلتها وزارة السياحة والآثار خلال السنوات الماضية، من أعمال ترميم وصيانة للحفاظ على المباني الأثرية داخل الشارع. إلا أن الواقع يكشف أن هذه الجهود وحدها ليست كافية في ظل غياب الرقابة الصارمة وعدم وجود خطة واضحة لمواجهة التعديات المتزايدة.
إنقاذ شارع المعز لا يقتصر على حملات تنظيف مؤقتة أو مشروعات تجميلية قصيرة الأجل، بل يحتاج إلى خطة متكاملة ومستدامة تشمل.. تشديد الرقابة على الأنشطة العشوائية ومنع التعديات على المعالم الأثرية. وتنفيذ حملات تنظيف وصيانة دورية للحفاظ على جمالية الشارع مع إعادة تنظيم الأنشطة التجارية بحيث لا تؤثر على طابع الشارع الأثري.وايضًا فرض عقوبات صارمة على المخالفين، سواء من الباعة الجائلين أو منتهكي قوانين المشاة.واخيرًا تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الشارع كمعلم تراثي عالمي يجب الحفاظ عليه.
يُعد " المعز " من أبرز شوارع القاهرة الفاطمية، حيث يقع في منطقة الأزهر ويمتد من باب الفتوح شمالًا إلى باب زويلة جنوبًا. يضم الشارع معالم أثرية فريدة من مساجد ومدارس وقصور، مما يجعله وجهة سياحية مهمة تعكس روعة العمارة الإسلامية.
يُشكل الشارع جزءًا من القاهرة التاريخية المُدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ 1979، لما يحتويه من آثار تعكس التنوع الحضاري لمصر. وفي مطلع الألفية الثالثة، خضع لمشروع تطوير شامل، حوّله إلى متحف مفتوح وممر مخصص للمشاة، مما عزز قيمته الثقافية والسياحية عالميًا
إلا أن هذه الرؤية تواجه اليوم تحديات حقيقية تهدد بطمس هوية الشارع. لذا، فإن الحفاظ على هذا المعلم التاريخي ليس مسؤولية الجهات الرسمية وحدها، بل هو واجب وطني مشترك بين الجميع، مواطنين ومسؤولين، فالتغيير يبدأ من الوعي بقيمة هذا المكان، والالتزام بالسلوكيات التي تحافظ على نظافته ورونقه.
لذلك …...نناشد مسؤولي وزارة السياحة والآثار تكثيف الجهود لمتابعة أوضاع الشارع، وفرض رقابة صارمة على المخالفات، وإعادة الانضباط إليه، لضمان الحفاظ على طابعه الأثري. ليعود شارع المعز إلى مكانته، كواحد من أعظم المتاحف المفتوحة في العالم الإسلامي.
“ارحموا مصر.. وليقم كلٌّ بدوره في الحفاظ على هذا الإرث العظيم.