أخبار عاجلة

تجربة الرجل الذى مات واقفًا لإحياء حلم التصدير المصرى - نجوم مصر

تجربة الرجل الذى مات واقفًا لإحياء حلم التصدير المصرى - نجوم مصر
تجربة
      الرجل
      الذى
      مات
      واقفًا
      لإحياء
      حلم
      التصدير
      المصرى - نجوم مصر


فى صباح أحد الأيام فى أواخر عام 2010 كنت مترجلًا فى شارع عدلى بوسط القاهرة وبينما أخطو خطواتى المتأنية، متفقدًا عناوين الكتب الجديدة فى المكتبات دق جرس هاتفى المحمول، وكان صوت المتحدث رسميًا وجادًا، وهو يفصح لى عن شخصيته، وأنه مدير مكتب وزيرة التعاون الدولى فى ذلك الوقت الدكتورة فايزة أبوالنجا، وقتها أبلغنى بأن الوزيرة تريد أن تتحدث معى عبر الهاتف، وأنه سيفتح لى الخط معها فى التو واللحظة، والحقيقة كان الاتصال مفاجئًا، ولم تكن لى سابق معرفة بالدكتورة فايزة أبوالنجا، صاحبة الشخصية الوطنية الرائعة والتاريخ المهنى المشرف.

 

ووجدتنى فى أوج ضوضاء شارع عدلى وأبواق السيارات المزعجة، فاستأذنته أن يعاود الاتصال بعد دقائق حتى أبحث عن مكان هادئ يمكننى أن أستمع فيه جيدًا لسعادة الوزيرة، بعيدًا عن صخب الشارع، ورغم أننى لا أعرف سبب الاتصال، إلا أن حرصى وشغفى للتواصل مع هذه الشخصية العظيمة كان يفوق اللحظة ويتخطى كل حدود الاستيعاب، لكن مدير المكتب أبلغنى بأن معالى الوزيرة على الهاتف، ولا يمكن أن يتركها فى الانتظار وسألنى لو أن دقيقة تكفيك.. فأجبت دون تفكير..

 

تكفينى بالتأكيد، فعاجلنى بأنه بعد دقيقة سيفتح لى الخط مع الوزيرة، ولم أجد حلًا سوى الدخول فى بهو واحدة من بنايات شارع عدلى العتيقة ذات البعد التاريخى والزخارف الفريدة والتى صممها أمهر مهندسى العالم، وشارك فى بنائها عمال من كل الجنسيات، وكانت كفيلة للإعلان عن شموخها فى قلب النهار وخطف الأضواء المبهرة فى آتون الليل، المهم وصلنى صوت الدكتورة فايزة أبوالنجا.

 

والحقيقة لم أكن واثقًا من حقيقة الاتصال حتى جاءنى صوت الوزيرة الفخم ذو الوقار والشموخ الرائع، ورحبت بى بعفوية وبساطة غالبة وكأنها تعرفنى منذ سنوات بعيدة، وفى لحظات أزالت دهشتى من هذا الاتصال، وقالت إن سبب المكالمة هو حرصها على تهنئتى بمؤلفى الجديد فى ذلك العام «تجربة للتاريخ- من ملفات الصراع الاقتصادى والسياسى فى حقبة الستينات»،

 

وهو الكتاب الذى كان عبارة عن حوار طويل أجريته مع السيد محمد غانم، رجل المخابرات الشهير، ومؤسس وأول رئيس لشركة النصر للتصدير والاستيراد، وكانت أهمية هذا الكتاب أنه يأتى فى أيام يعود فيها الحديث مجددًا عن الدور المصرى فى إفريقيا، غير أنه كان أول دراسة توثق تجربة شركة النصر فى إفريقيا. وتاريخ شركة النصر وارتباطها بأدوار وطنية أصبحت معروفة للجميع.

 

واستفاضت الوزيرة الدكتورة فايزة أبوالنجا، فى مهاتفتها، معى عن تقديرها للجهد المتميز لإخراج هذا العمل التاريخى الذى يثرى المكتبة العربية ويوفر للباحثين والعاملين فى الشأن الإفريقى خلاصة التجربة الناجحة لشركة النصر للتصدير والاستيراد ولرائدها ومؤسسها السيد/ محمد غانم، وكانت الوزيرة حريصة كل الحرص على ضرورة الإفصاح عن هذه التجربة للاستفادة منها فى دعم الجهود لتعزيز التعاون بين مصر والدول الإفريقية إلى الحد الذى دعتنى فيه لحضور عدد من مجالس الأعمال المصرية مع الدول الإفريقية، وكان من بينها مجلس رجال الأعمال المصرى الإثيوبى.

 


كان الحديث وقتها مع الدكتورة فايزة أبو النجا التى تشغل اليوم منصب مستشار رئيس الجمهورية للأمن القومى منذ عام 2014، ينصب حول إبداع الراحل محمد غانم فى تفانيه لتصدير كل ما يمكن تصديره من السوق المحلية مما حقق معه فائضًا كبيرًا من العملة الصعبة ساعد فى حصول مصر على كافة احتياجاتها الاستراتيجية فى وقت كانت محاصرة فيه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، وهذا بخلاف المكاسب والأرباح التى حققتها الشركة، ولم يكتف محمد غانم بذلك بل تحولت الشركة فى عهده لتصدر منتجات دول أخرى مثل سوريا وتركيا وأغلب الدول الإفريقية، ثم فكرت الشركة فى استثمار فائض أموالها فى مشروعات فى الدول المختلفة، فقد كان غانم مقتنعًا بأنه كى يستفيد من أى دولة ويصبح وضعه فيها قويًا، فلابد أن يستثمر فيها، وقبل وفاة الرئيس عبدالناصر بشهور حضر محمد غانم مؤتمرًا للتجارة والأعمال فى الكويت وسمع «الكويتيين التقدميين» يطالبون الحكومة بتأميم صناعة البترول، فالكويت تبيع البترول تحت السيطرة الأجنبية بـ2 دولار للبرميل، بينما تبيعه الولايات المتحدة الأمريكية من آبارها بـ4 دولار للبرميل، كما طالبوا بفتح مجالات الاستثمارات المتعددة والتعاون مع الدول الأخرى فى هذا الشأن.. ومن هنا لمعت الفكرة فى رأس محمد غانم وبدأ يفكر فى «عالمية شركة النصر» واستطاع أن يقنع مجموعة من الدول العربية والإفريقية بالتعاون الاستثمارى مع شركة النصر.

 


وخلال المحادثة الهاتفية قالت لى الدكتورة فايزة أبوالنجا إنها لم تتمكن من أن يغمض لها جفن فى ليلتها المنقضية قبل أن تصل لآخر صفحات الكتاب، التى تجاوزت الـ 400 صفحة، وتأكدت من انبهارها بما قرأته على صفحات الكتاب من أن محمد غانم كان يصدر كل شىء يمكن أن يحقق منه العملة الصعبة، ولو استطاع أن يُصدر الهواء لفعل، فبجانب الإنتاج التصديرى المصرى المتعارف عليه صدر إلى جميع دول العالم الثعابين والعقارب والصراصير والضفادع والفئران وباقى الحيوانات التى تستخدم فى الكليات العلمية ومراكز البحوث لتعليم التشريح وإجراء التجارب والأبحاث الطبية والدوائية.

 

وقد جاءته الفكرة بعد متابعته برنامجًا تلفزيونيًا تقدمه المذيعة الراحلة واللامعة فى ذلك الوقت سلوى حجازى، وكانت تجرى حوارًا مع أحد الرفاعية «المتخصصين فى اصطياد الثعابين» فى مزرعته فى منطقة أبورواش، والذى حكى أنه كان يزوره عدد من الخواجات الأمريكان الذين طلبوا منه تفريخ المئات من نوع معين من الثعابين والعقارب المصرية لشحنها إلى أمريكا وأن الرفاعى اعتذر عن تحقيق ذلك، لأنه لا قدرة له على التصدير وإجراءاته، وأبدى استعداده لأن يجمع ما هو مطلوب محليًا ويسلمه فى المزرعة.

 

فخطف محمد غانم طرف الخيط وتعاقد مع الأمريكان فى صفقة تصديرية أدخلت الملايين من العملة الصعبة لمصر، وصدرت الشركة أيضًا من المنتجات عير المألوفة شعر الجاموس «لصناعة الفرش للبويا وخلافه»، وإلى اليابان صدرت مخلفات الأعشاب البحرية من البحر الأبيض والبحر الأحمر والتى تقذفها الأمواج إلى شواطئنا الرملية فى الشتاء. ثم لا ننسى فى فترة الستينات عدم نجاح مصر فى تصدير ما خُطط له من تصدير 700000 طن أرز مصرى رغم مرور أكثر من ثلاثة أرباع المدة دون استكمال الهدف المطلوب.

 

وكان الهدف التصديرى للأرز المصرى فى ذلك العام من أهم مقومات حصول مصر على العملة الحرة، حيث كان الأرز يصدر كله تقريبًا إلى بلاد تتعامل بالعملة الحرة، وكانت مصر كما هو معروف فى أشد الحاجة إلى هذا القدر من النقد الأجنبى.

 

ولم يكن الحل إلا فى استهداف الأسواق الإفريقية، التى كانت تسيطر مصر على أغلبها لتسويق الأرز المصرى بها، وكانت المشكلة فى أن الأرز المصرى بمواصفاته غير مقبول فى إفريقيا.. لتعودها على ما يعرف بالأرز المغلى، وهو أرز يتم غليه فى بلده قبل التصدير فى مضارب خاصة للأرز المغلى فتلتصق القشرة الصفراء حول حبة الأرز البيضاء وتعطيها صلابة تسمح بأن يطهى الأرز بغليانه فى الماء على نار عالية مثل المكرونة.

 

لكن غانم استطاع أن يجند زوجات موظفى فروع شركة النصر فى إفريقيا لعقد ندوات فى الأندية الاجتماعية بالعواصم الإفريقية للعائلات والجاليات الأجنبية وعائلات كبار تجار البلد، بل قام بحجز أوقات فى البرامج التليفزيونية لزوجات موظفيه ليشرحوا للجمهور فوائد ومميزات الأرز المصرى مع شرح تطبيقى لكيفية طهى الأرز المصرى، وبالفعل نجحت هذه الحملات واستساغ الجمهور الإفريقى الأرز المصرى المفلفل، واستطاع غانم تحقيق المستهدف من تصدير الأرز من خلال الأسواق الإفريقية.


لقد كنت أشعر بشجن شديد فى صوت الدكتورة فايزة أبوالنجا، وهى تقص لى من صفحات الكتاب ما كتبته بقلمى وأعرفه جيدًا، لكن حسها الوطنى المخلص كان يدفعها لأن تعيد على مسامعى قصص النجاح التى تُغير من مصائر الشعوب من خلال تجربة وإبداع العظيم محمد غانم فى الحصول على العملة الصعبة للإنفاق على المشروعات الكبرى فى مصر وتسليح الجيش المصرى.

 

كما لو أنها بهذا الشجن وبهذا التكرار تتمنى لو تتكرر التجربة.. والآن وبعد سنوات طويلة أدركت لماذا اختار الرئيس عبدالفتاح السيسى الدكتورة فايزة أبوالنجا مستشارة الرئاسة للأمن القومى، فلاشك أن عودة مكانة مصر التاريخية والسياسية إلى إفريقيا هى أحد أهم مقومات الأمن القومى المصرى. لقد علمت أن الدكتور مصطفى مدبولى ومنذ سنوات يسعى لإحياء تجربة النصر للتصدير والاستيراد.. لكنه فى البداية يجب أن يبحث عن محمد غانم الجديد.. وعليه أن يعود إلى دراسة مسيرة الرجل الذى ظل يعمل حتى رحيله، فمات واقفًا من أجل حلم التصدير المصرى الذى حققه بوطنيته الصادقة، وكف مصر عن الحرج فى أصعب مواجهاتها مع أمريكا والغرب.

 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق وزيرة التضامن تنعى الدكتورة ليلى البرادعي: رحيلها ترك ندبة عميقة في قلوب محبيها - نجوم مصر
التالى تفاصيل مصرع الدكتورة ليلى البرادعي وزوجها إبراهيم شكري في حادث سير | بث مباشر - نجوم مصر