فى الوقت الذى يستعد فيه المسيحيون حول العالم للاحتفال بقيامة المسيح، يتساءل البعض عن دلالات هذه القيامة على حياتهم اليومية وكيف يمكن أن تشكل مصدرًا للسلام الداخلى والخارجى.
حول هذا المعنى قال القس سهيل سعود، راعى كنيسة الإنجيلية ببيروت، إن عيد القيامة يحمل فى طياته رسائل عميقة من الأمل والمصالحة.
وأضاف، فى حواره، لـ«الدستور»، أن هذا العيد يمكن أن يكون فرصة لتوحيد المسيحيين، خاصة مع تزامن مواعيد الاحتفال بين الكنائس المختلفة هذا العام.
وأكد أن عيد القيامة يمثل حافزًا جديدًا للرجاء والتغيير الإيجابى فى حياتنا الشخصية والجماعية.
وأشار إلى أن مفهوم أرض الميعاد مختلف فى الفكر المسيحى، ولا يقصد به قطعة جغرافية فى أرض فلسطين، إنما رمز للملكوت السماوى الذى بشر به المسيح.
■ ماذا تعنى قيامة المسيح المجيدة بالنسبة لك؟
- قيامة المسيح بالنسبة لى هى سبب رجائى وعلة استمرارى كإنسان مسيحى فى هذا الشرق، وفخر إيمانى وعزائى. تصورى لو أنّ المسيح بقى فى القبر ولم يقم، لكان اعتبر كفيلسوف أو معلم عظيم مرّ على التاريخ منذ عشرين قرنًا. لكن قيامة المسيح أثبتت أنه الإله القدير الذى داس الموت بالموت، ووهب الحياة للذين فى القبور.
■ لماذا تختلف الكنائس فى مواعيد الاحتفال بعيد القيامة؟
- تتبع الكنائس المسيحية المختلفة روزنامتين: الروزنامة اليوليانية، التى تتبعها الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، والروزنامة الجريجورية التى تتبعها الكنائس ذات التقليد الغربى، مثل الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الإنجيلية.
الروزنامة اليوليانية أسّسها الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر عام ٤٥ ق.م، أما الروزنامة الجريجورية فقد تأسّست من قبل البابا جريجوريوس الثالث عشر عام ١٥٨٢، كإصلاح للروزنامة اليوليانية.
كلتا الروزنامتين تستندان إلى احتسابات زمنية معقدة تتعلق بالفصح اليهودى والاعتدال الربيعى ودورة القمر، ولذلك يقع عيد القيامة فى تواريخ مختلفة أحيانًا.
فعيد القيامة بحسب الروزنامة اليوليانية يأتى فى أحد يقع بين ٢٢ مارس و٢٥ أبريل، بينما بحسب الروزنامة الجريجورية يأتى بين ٣ أبريل و١٠ مايو. لكن هناك سنوات تتقاطع فيها الحسابات، فيحتفل جميع المسيحيين فى العالم بعيد القيامة فى نفس اليوم.
■ كيف تستقبل كنائس لبنان عيد القيامة فى وقت يتزامن فيه احتفال الجميع؟
- إنّ استقبال كنائس لبنان ومصر، على تنوّعها، عيد القيامة فى وقت واحد يعطى شهادة عظيمة وأمينة للعالم عن وحدة الكنيسة ووحدة المسيحيين، كما قال المسيح فى صلاته الأخيرة لله من أجل تلاميذه قبل أن يتوجه للصليب: «ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب فىّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتنى» (يوحنا ١٧: ٢١).
كم هو مؤلم هذا الانقسام بين المسيحيين، حتى وإن كان فى اختلاف موعد العيد، إذ تحتفل كنيسة ما بموت وقيامة المسيح، ثم بعد حوالى الشهر تحتفل كنيسة أخرى بذات الحدث. لكن نشكر الله أن الاحتفال بقيامة المسيح يتمّ هذا العام فى موعد موحّد، وهنا أود أن أشير إلى أنه جرت محاولات من قبل مجلس الكنائس العالمى عام ١٩٩٧ لتوحيد الأعياد، وكان من المفترض أن يبدأ العمل به عام ٢٠٠١، لكن للأسف لم يتحقّق هذا الأمر. وأرجو من جميع رؤساء وقادة الكنائس المسيحية إعادة المحاولة.
■ كيف ترى فكرة «أرض الميعاد» التى يتمسّك بها اليهود فى أرض فلسطين؟
- كقسيس إنجيلى، أنتمى إلى تراث إنجيلى مصلح، أرى أن «أرض الميعاد» التى وعد بها الله إبراهيم فى العهد القديم، إنما هى صورة مجازية مؤقتة، بل ظلال لأمور أعظم، وهى ملكوت الله الذى أعلن عنه يسوع المسيح فى العهد الجديد.
أعتقد وأؤمن أن فكرة «أرض الميعاد» قد انتهت بالنسبة للمسيحيين بموت وقيامة المسيح. وكل نبوءات ومواعيد العهد القديم، ومنها نبوءات العودة إلى أرض الميعاد، قد تحققت بموت وقيامة المسيح. ولم يبقَ للمسيحيين إلاّ وعد المسيح بالمجىء ثانية فى المجد. ويخبرنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين بأن الموعد الذى سمعه إبراهيم من الله عن «أرض الميعاد»، فى العهد القديم، قد تحوّل فى المسيح، لا ليكون قطعة جغرافية معيّنة فى فلسطين، وإنما مدينة أورشليم السماوية، إذ يقول فى «عبرانيين ١١: ١٠»: «كان ينتظر المدينة التى لها الأساسات، التى صانعها وبارئها هو الله».
■ هل يتحدّث العهد الجديد عن بقعة جغرافية معينة لتكون أرض الميعاد؟
- كلاّ، على الإطلاق، لا يتحدّث العهد الجديد عن بقعة جغرافية معيّنة لتكون أرض الميعاد، إن ملكوت الله، أو ملك الله الذى تحدّث عنه المسيح ليس مكانًا جغرافيًا، ويخبرنا البشير لوقا، عندما سأل الفريسيون المسيح، قائلين: «متى يأتى ملكوت الله؟» فإنّه أجاب، «لا يأتى ملكوت الله بمراقبة. ولا يقولون هوذا ههنا أو هناك. لأنّ ها ملكوت الله: داخلكم» «لوقا ١٧: ٢٠- ٢١». نحن نؤمن بأن المسيح لن يملك فى قطعة جغرافية معينة. نؤمن بأن ملكوت الله يبدأ فى حياة كل من يؤمن بالمسيح، ويتّخذه ربًا ومخلّصًا لحياته. ويستمر هذا الملكوت، معنا وفينا وفى داخلنا، إلى أن يكتمل بمجىء المسيح الثانى فى المجد.
■ كيف يمكن أن يكون عيد القيامة رسالة لطلب السلام من أجل غزة ولبنان؟
- يخبرنا الرسول بولس بأن موت وقيامة المسيح حقّقا للإنسان المؤمن المصالحة مع الله، وبنفس الوقت فتحت الباب لمصالحة الإنسان مع أخيه الإنسان الذى فى عداوة معه. قال الرسول بولس: «ولكن الآن فى المسيح يسوع. أنتم الذين كنتم قبلًا بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح، لأنه هو سلامنا الذى نقض حائط السياج المتوسّط، أى العداوة مبطلًا بجسده ناموس الوصايا فى فرائض لكى يخلق الاثنين فى نفسه، إنسانًا واحدًا جديدًا صانعًا سلامًا» «أفسس ٢: ١٣ -١٧». بناءً على تفسير الرسول بولس، رسالة الصليب والقيامة هى دعوة للإنسان الخاطئ للمصالحة مع الله بالإيمان الحى بموت وقيامة ابنه ربنا يسوع المسيح. ومن المصالحة مع الله تنبع مصالحة الإنسان مع أخيه الإنسان. وهذا ما نطمع أن نراه ليس فقط فى غزة ولبنان، بل فى كل مكان يشهد صراعات دموية مؤلمة.
■ ما رسالتك فى عيد القيامة ٢٠٢٥؟
- رسالتى فى عيد القيامة أنه هناك رجاء. هناك إمكانات جديدة لمنطقتنا والعالم. نحن نختبر الآلام، ونشعر بأننا معلّقون على الصليب مع المسيح المصلوب. لكن الخبر السار الذى يعلنه الإنجيل هو أن وراء الصلب هناك قيامة، لأن المسيح لم يبق فى القبر. لكنه قام حقًا قام. عيد قيامة مجيد للجميع.