بعشرات الشهداء والمصابين الجدد، استقبل قطاع غزة، أمس الأول الأحد، أول أيام عيد الفطر المبارك. وبينما لا يعرف أحد متى أو كيف يتوقف قصف طائرات ودبابات الاحتلال الإسرائيلى للقطاع المنكوب، صدحت أفواه الصغار والكبار بتكبيرات العيد، وأدوا صلاتهم فوق ركام المساجد وداخل الخيام وأماكن النزوح، تحت أزيز القصف، وعلى وقع الانفجارات، وفى ظل صمت، أو عجز، المجتمع الدولى عن الاضطلاع بمسئولياته الأخلاقية والقانونية.
صباح الأحد، أيضًا، انتشلت فرق الإنقاذ جثامين ١٥ مسعفًا من الهلال الأحمر الفلسطينى، من تحت الركام، بعد مرور أسبوع على ارتكاب الجيش الإسرائيلى، هذه الجريمة، التى وصفها الاتحاد الدولى لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بأنها «الأكثر دموية منذ سنة ٢٠١٧»، ورأتها جمعية الهلال الأحمر «جريمة حرب يحاسب عليها القانون الدولى الإنسانى الذى يواصل الاحتلال انتهاكه على مرأى ومسمع العالم». وفى بيان، أدانت حركة «فتح» هذه «الجريمة النكراء» وقالت إنها «تكشف استفحال النزعة الإجرامية للاحتلال الذى يمارس أفظع أساليب الإرهاب والقتل والتنكيل وجرائم التطهير العرقى».
تعرف، طبعًا، أن العدوان الإسرائيلى، الذى بدأ فى أكتوبر ٢٠٢٣، حصد أرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ودمر قطاع غزة بالكامل، إلا قليلًا، قبل اتفاق وقف إطلاق النار، الذى تم التوصل إليه، فى يناير الماضى، بوساطة مصرية أمريكية قطرية، وجرى انتهاكه، أمس الإثنين، لليوم الرابع عشر على التوالى، بغارات استهدفت وسط وشمال قطاع غزة، راح ضحيتها شهداء ومصابون جدد، إضافة إلى صدور أوامر إسرائيلية بإخلاء معظم مناطق مدينة رفح، بجنوب القطاع. وبالتزامن، احتشد ملايين المصريين، عقب أداء صلاة العيد، فى مئات الساحات والمساجد، بمختلف محافظات مصر، وأعربوا عن رفضهم القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، مطالبين المجتمع الدولى باتخاذ مواقف سريعة وحاسمة، لوقف حرب الإبادة التى يتعرض لها الشعب الشقيق.
الغارات غير المسبوقة، من حيث الكثافة والنطاق، خلال الأسبوع الماضى، أعادت إلى سكان القطاع ذكريات الأيام الأولى من العدوان. ومع أن شراسة الآلة العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة لا توحى بوجود أى نية للتراجع، قال الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، إنه طالب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، بوقف الهجمات على قطاع غزة والعودة إلى وقف إطلاق النار. وأضاف ماكرون، فى حسابه على شبكة «إكس»، أنه شدد خلال حديثه مع نتنياهو، يوم الأحد، على ضرورة استئناف إدخال المساعدات الإنسانية على الفور، والعمل على تنفيذ الخطة العربية لإعادة إعمار القطاع. كما أشار إلى أنه جدد رفضه «أى تهجير قسرى أو ضم للأراضى»، وأكد ضرورة العودة إلى أفق سياسى قائم على حل الدولتين.
اللافت، هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلى أعلن، فى اليوم نفسه، عن فاعلية الضغوط العسكرية على «حماس»، وطالب الحركة بتسليم سلاحها مقابل السماح لقادتها بمغادرة غزة. كما كان لافتًا، أيضًا، أن تعلن الشرطة الإسرائيلية، صباح الإثنين، عن اعتقال اثنين من مستشارى نتنياهو، على خلفية، أو ذمة، تحقيقات تتعلق بـ«علاقاتهما المشبوهة مع جهات فى قطر»، وارتكابهما جرائم تشمل تلقى رشاوى، وخيانة الأمانة، وغسيل أموال، كما أفادت الشرطة بأن مشتبهًا به ثالثًا، يُعد شخصية مركزية فى القضية نفسها، ويخضع حاليًا للتحقيق، وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن القرار بشأن ما إذا كان سيتم التحقيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلى نفسه كمشتبه به، أو تحذيره رسميًا، سيتم اتخاذه بعد الاستماع إلى شهادته!
.. وتبقى الإشارة إلى أن مستجدات الأوضاع فى قطاع غزة كانت محورًا رئيسيًا فى المكالمات التليفونية التى جرت بين وزير خارجيتنا ووزراء الخارجية العرب، خلال اليومين الماضيين، والتى تناولت، كذلك، المساعى المصرية الجارية لتثبيت وقف إطلاق النار والعودة إلى اتفاق ١٩ يناير وضمان تنفيذ مراحله الثلاث، كما ناقشت، أيضًا، سبل حشد الدعم الدولى للخطة المصرية، العربية والإسلامية، للتعافى المبكر وإعادة إعمار القطاع، دون تهجير أهله، والتنسيق والاستعداد لمؤتمر القاهرة الدولى، بشأن هذا الأمر.