الإثنين 31/مارس/2025 - 05:03 م 3/31/2025 5:03:46 PM
كنت أعتقد، حتى وقت قريب، أن الشاعر أبو الطيب المتنبي ـ المولود في الكوفة عام 915 ميلادية ونشأ فيها ـ هو مالئ الدنيا وشاغل الناس وباعث شغفهم بالشعر، وما زالت أبياته الشعرية قادرة على أن تكون حِكمًا وأمثالًا وفلسفة ومرجعًا في اللغة واللسانيات، وحتى في الفقه.. بعد أن أصبح، منذ أن عرف الأدب العربي أن الشعر ديوان العرب، أحد فرسان الشعر، وما زال من أشهر الشعراء عبر العصور، منذ زمن ظهور الشعر العمودي في العصر الجاهلي وقبله وبعده، أو كما قيل عنه، إنه (فرّ) من زمانه بعبقريته، وجاء إلى زماننا.. فهو ذاته في القوّة بين المديح والهجاء، وبين الذم والعنفوان؛ حتى يُخيّل لمن يقرأ شعره أنه يتلمّس تلكُم (الأنا) التي جعلته مُخلَّدًا.. كنت أعتقد، أنه بعد وفاته عام 965 ميلادية، أن الزمان لن يجود برجل آخر، يكون شاغلًا للناس، إلى أن جاء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، لولاية ثانية، وأخذ في إصدار قراراته التي لم تراع قانونًا دوليًا، ولا حُكمًا إنسانيًا، ولا حرصًا على حلفاء أو أصدقاء، ليصبح شاغل العالم الآن، وربما امتد تأثيره إلى بعد انتهاء فترة رئاسته للولايات المتحدة، ليصبح أبو الطيب المتنبي، مقارنة معه، تلميذ صغير!!.
على مدى عقود من الزمان، فضَّل الرؤساء المتعاقبون في واشنطن، نسخة ما من حل الدولتين للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.. وما لم يتخيله أحد حتى الآن، هو أن الدولة الثانية ستكون أمريكية، وليست فلسطينية!!.. إذ إن خطة الرئيس ترامب (المذهلة) لتهجير سكان غزة الفلسطينيين بالكامل، وفرض سيطرة الولايات المتحدة على القطاع الساحلي، لم تُحدث هزة في الشرق الأوسط فحسب.. بل ربما كانت بمثابة (نعي) للهدف الذي طال انتظاره، ولكنه بعيد المنال بشكل مثير للجنون، والمتمثل في إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، في ظل التعايش السلمي.. إن أي رؤية لدولة فلسطينية تضمنت غزة كجزء لا يتجزأ منها، إلى جانب الضفة الغربية.. ولكن في رؤية ترامب، ستصبح غزة أرضًا أمريكية تتحول إلى (ريفييرا الشرق الأوسط)، لن تنتمي غزة إلى الفلسطينيين بعد الآن، ولكنها ستكون مفتوحة لأي شخص يريد العيش هناك.. وفي هذا الصدد، أشار إلى انفتاحه على ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية.. لقد تضاءلت بالفعل احتمالات قيام دولة فلسطينية في السنوات الأخيرة، وخصوصًا بعد الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وأدى إلى حرب إسرائيلية انتقامية في غزة، أسفرت عن مقتل حوالي ستين ألف فلسطيني.. ووفقًا لاستطلاعات الرأي، لم يعد الشعب الإسرائيلي ولا الفلسطيني يرى في سيناريو الدولتين، خطة قابلة للتطبيق بعد الآن.. وقد تناولنا ذلك بالشرح المطول في مقالات عديدة سابقة.
●●●
هناك نظرية مفادها، أن الرئيس ترامب لا يزال يشعر بالمرارة بسبب مشاريعه الفندقية في كندا التي فشلت.. وتكهن البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن الصورة التي التقطت عام 2019، والتي ظهر فيها جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، وهو يستعد لتقبيل ميلانيا ترامب، السيدة الأولى، في اجتماع مجموعة السبع في فرنسا، تركت ضغينة في نفس ترامب ضد رئيس الوزراء الكندي الوسيم.. وهناك أيضًا وجهة نظر نفعية، مفادها أن ترامب يرى أن الاستحواذ على كندا، باعتبارها الولاية رقم واجد وخمسين، هو الصفقة العقارية النهائية التي من شأنها أن تختم إرثه الرئاسي.. في الوقت الذي كان ترامب يستعد فيه للمضي قدمًا، بجولة جديدة من الرسوم الجمركية على جيران الولايات المتحدة إلى الشمال والجنوب، فقد أعرب عن نوع خاص من الكراهية لكندا.. لقد أدى التنمر على بلد، تتمثل الصورة النمطية الأكثر شهرة فيه أن شعبه (لطيف)، إلى اضطرابات سياسية في كندا، وخلق حالة من الذعر والتكهنات حول سبب رغبة ترامب في الانخراط في حرب تجارية مع أحد أكبر شركاء أمريكا التجاريين.
يقول ستيفن مور، الخبير الاقتصادي في مؤسسة هيريتيج، والمستشار السابق لترامب، (لا أستطيع أن أفهم ذلك تمامًا.. ولا أعرف ما إذا كان ذلك نوعًا من النفوذ الاستراتيجي).. وأشار مور إلى أنه (لا يوجد حب ضائع) بين ترامب وترودو، (مع ترامب، السياسة هي أمر شخصي).. لقد هدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات من المكسيك وكندا ما لم تبذل الدولتان المزيد من الجهود، لمنع تدفق المهاجرين والمخدرات إلى الولايات المتحدة.. وتكثر الشكوك في كندا، حول سبب استخفاف ترامب بشكل متكرر بجارته وتهديده بزعزعة استقرار اقتصادها بالرسوم الجمركية، وهي العملية التي أدت بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى منخفض لم نشهده منذ عقود.. وعندما رحل ترودو عن مقعد رئاسة الوزراء في كندا، ازداد الأمر اشتعالًا بين الدولتين الجارتين.
وعلى النقيض من العلاقة الوثيقة والداعمة التي كان يتمتع بها ترودو، مع رئيس أمريكي آخر، هو باراك أوباما، فإن علاقته مع ترامب كانت متوترة.. في عام 2018، وفي أعقاب اجتماع قمة مجموعة السبع في شارلفوا، كيبيك، قاطع ترامب ترودو على وسائل التواصل الاجتماعي، واتهمه بأنه (غير أمين وضعيف للغاية)، واختلق (تصريحات كاذبة)، بينما اقترح أنه قد يفرض رسومًا جمركية على السيارات المصنوعة في كندا.. وفي حين كان ترودو حذرًا بشكل عام في تصريحاته العامة حول ترامب، خلال الإدارة الأولى له في البيت الأبيض، فإن الرجلين لديهما أساليب شخصية وسياسية مختلفة تمامًا.. ترامب يسيء بشكل مبالغ فيه إلى الأشخاص الذين يعتبرهم معارضين، في حين يتحدث ترودو غالبًا عن قيمة جمع الناس معًا، وهو ما أسماه ذات مرة، نهج (الطرق المشمسة) للحياة السياسية.
●●●
لم تنجو دول الاتحاد الأوروبي، ولا حلفها مع الولايات المتحدة (الناتو)، من تغيرات سياسة ترامب الخارجية، إذ يدرس الرئيس الأمريكي إجراء تغيير كبير في مشاركة بلاده في حلف شمال الأطلسي، بحسب ثلاثة مسئولين أمريكيين كبار حاليين وسابقين، ومسئول في الكونجرس، الذين قالوا، إن ترامب ناقش مع مساعديه، إمكانية ضبط مشاركة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، بطريقة تدفع أعضاء التحالف إلى مزيد من الإنفاق العسكري، وهم الذين ينفقون نسبة محددة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع.. وكجزء من التحول المحتمل في السياسة، قد لا تدافع الولايات المتحدة عن دولة عضو في حلف شمال الأطلسي تتعرض للهجوم، إذا لم تلبِ عتبة الإنفاق الدفاعي.. وإذا أجرى ترامب هذا التغيير، فسوف يمثل تحولًا كبيرًا عن مبدأ أساسي من مبادئ التحالف، يُعرف بالمادة الخامسة، والتي تنص على أن الهجوم على أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي هو هجوم على جميع الدول.
ويدرس ترامب أيضًا تغييرًا في السياسة، قد تختار الولايات المتحدة بموجبه، إعطاء الأولوية للتدريبات العسكرية مع أعضاء حلف شمال الأطلسي، الذين ينفقون النسبة المحددة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع.. وأشار المسئولون إلى أن إدارته أشارت بالفعل إلى حلفاء أمريكا الأوروبيين، بأن الولايات المتحدة قد تقلل من وجودها العسكري في أوروبا، وأن أحد الخيارات قيد الدراسة الآن، هو إعادة تموضع بعض القوات الأمريكية في المنطقة، بحيث تركز في أو حول دول حلف شمال الأطلسي، التي زادت من إنفاقها الدفاعي لتلبية النسبة المحددة من ناتجها المحلي الإجمالي.. وعندما سُئل عن تفكير ترامب في إجراء هذه التغييرات، على كيفية تعامل الولايات المتحدة مع حلف شمال الأطلسي، قال مسئول في مجلس الأمن القومي في بيان مكتوب:، (الرئيس ترامب ملتزم بحلف شمال الأطلسي والمادة الخامسة).
لقد انتقد ترامب، مرارًا وتكرارًا، دول حلف شمال الأطلسي لعدم تحقيق هدفها الحالي المتمثل في إنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.. وزعم أن هذا التفاوت غير عادل، ويفرض عبئًا إضافيًا على الولايات المتحدة.. وكانت دول حلف شمال الأطلسي قد اتفقت، منذ أكثر من عقد من الزمان، على تحديد هدف الإنفاق لكل منها بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي.. لكن ترامب دفع باتجاه زيادة هذه النسبة.. ومؤخرًا، قال إن أعضاء حلف شمال الأطلسي يجب أن ينفقوا 5% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، رغم أن الولايات المتحدة لا تفعل ذلك حاليًا.. وقال ترامب في يناير الماضي، (يتعين على حلف شمال الأطلسي أن يدفع المزيد.. إنه أمر سخيف، لأنه يؤثر عليهم بشكل أكبر.. لدينا محيط بينهما).. وبحسب أحدث إحصائيات حلف شمال الأطلسي، تجاوز الإنفاق الدفاعي للدولة الأ‘ضاء في الحلف العام الماضي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي.. وأنفقت خمس من هذه الدول ـ إستونيا واليونان ولاتفيا وبولندا والولايات المتحدة ـ أكثر من 3% على الدفاع.. وكانت بولندا صاحبة أعلى نسبة، حيث خصصت 4.12% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع.
ويأتي التحول المحتمل في كيفية مشاركة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، في الوقت الذي يضغط فيه ترامب على الحلفاء الأوروبيين، لبذل المزيد من الجهود لمساعدة أوكرانيا في حربها مع روسيا، ولعب دور رئيسي في الحفاظ على السلام في البلاد، إذا تم التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب.. وقال السياسي الأمريكي، كريس كونز، (اتصل بي العديد من السفراء الأوروبيين الذين أعربوا عن قلقهم إزاء الشائعات التي تفيد، بأن ترامب قد يدلي بإعلان سلبي بشأن حلف شمال الأطلسي).. ولم يعلن ترامب أي شيء في خطابه المشترك أمام الكونجرس، لكن كونز قال، (إذا لم تتوقف أمام كل ما يتعلق بتصريحات الرئيس ترامب وأفعاله بشأن السياسة الخارجية، فأنت لا تنتبه).. خصوصًا وأن ترامب هدد بانسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي خلال ولايته الأولى، وتساءل عن مزايا المادة الخامسة بالنسبة للولايات المتحدة.. لقد صُممت المادة لحماية الدول الأوروبية من الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة، وتم تفعيلها مرة واحدة فقط، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة.. وبينما سعت أوكرانيا إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، فإن إدارة ترامب أكدت أن ذلك لن يكون جزءًا من أي اتفاق سلام تفاوضي.
●●●
ومازالت الإدارة الأمريكية الجديدة تواصل صياغة سياساتها في الشرق الأوسط والعالم.. وقد انطلق ترامب بقوة، باتفاق الرهائن الذي عُقد قبل يوم واحد فقط من تنصيبه، ثم اقترح إمكانية إعادة توطين سكان غزة في أماكن أخرى.. ومع ذلك، انتهى وقف إطلاق النار منذ ذلك الحين، وأرسلت الإدارة رسالة إلى إيران تعرض فيها إجراء مناقشات حول اتفاق جديد.. رفض الإيرانيون المحادثات المباشرة، لكنهم منفتحون على المحادثات غير المباشرة.. إلا أن إدارة ترامب تواجه خياراتٍ في شهر أبريل.. فقد بدأت غاراتها الجوية على الحوثيين في الخامس عشر من مارس، وتواصلها، بقيادة حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان.. كما سُلِّطت الأضواء على الضربات ضد الحوثيين، بسبب الجدل الدائر حول كيفية مناقشتها على منصة (سيجنال) للرسائل.
مع ذلك، صمد البيت الأبيض.. لن يُستبعد المشاركون في محادثات (سيجنال)، والإدارة ماضية في حملتها ضد الحوثيين.. قد تُنشر المزيد من حاملات الطائرات في المنطقة الشهر المقبل، ليس فقط لاستخدامها ضد الحوثيين، بل أيضًا كتحذير لإيران.. وفي غضون ذلك، نقلت إدارة ترامب قاذفات الشبح بي-2 إلى قاعدة (دييجو جارسيا) الأمريكية في المحيط الهندي.. وهذه رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة تمتلك الآن قوة جوية أكبر في المنطقة.. إضافةً إلى ذلك، فإن إطلاق الطائرات من دييجو جارسيا، أقل إثارة للجدل من انطلاقها من قواعد في قطر أو الإمارات العربية المتحدة، لأن هاتين الدولتين لا ترغبان في رد إيران أو الحوثيين.. وتشير تعليقاتٌ حديثة، إلى أن ترامب يُحذّر إيران من أنها قد تُواجه قصفًا، إذا لم تُوافق على اتفاق.. كما يبدو أن البيت الأبيض قلق من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليس في عجلةٍ من أمره للتوصل إلى اتفاق سلام أو وقف إطلاق نار في أوكرانيا.. وهذا يعني أن مبدأ ترامب في الحصول على صفقات في غزة وأوكرانيا وإيران يواجه عقبات.
قد يكون قرار استخدام القوة ضد الحوثيين اختبارًا لما سيأتي.. إذا لم يُرَدِع الحوثيون، فهل ستُردَع إيران؟.. في البداية، نأت إيران بنفسها عن الحوثيين، لكن الغارات الجوية الأمريكية لم تمنع هجمات الحوثيين على إسرائيل.. يستهدف الحوثيون إسرائيل يوميًا تقريبًا خلال الأسبوعين الماضيين، مستخدمين الصواريخ الباليستية.. وتشير الدلائل الأخيرة، إلى استخدامهم صاروخًا يعمل بالوقود السائل، وزعموا أنهم صوّبوا صاروخ (ذو الفقار) على مطار بن جوريون.. ويُعتقد أن هذا الصاروخ هو نوع من صواريخ (قيام) الإيرانية الصنع.. ليبقى التحدي الأكبر الذي تواجهه إدارة ترامب، هو معرفة ما إذا كان بإمكانها التوصل إلى اتفاق على أيٍّ من هذه الجبهات.. على سبيل المثال، سمحت حماس بانتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، في الأول من مارس.. افترضت الحركة أن إسرائيل لن تُفصح عن نواياها، وبالفعل، عادت إسرائيل لشنّ غارات وعمليات برية في غزة.. وتعتمد إسرائيل على إدارة ترامب، لوضع معايير اتفاق جديد مع حماس.. ولدى ستيف ويتكوف، الذي اختاره البيت الأبيض لإجراء محادثات مع روسيا وإيران وأذربيجان وأرمينيا، الكثير ليفعله الآن.
هل يستطيع التركيز على الضغط اللازم للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس؟.. حماس تريد وقف إطلاق نار طويل الأمد وتريد إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن فقط.. وتقول إسرائيل إنها ردّت على ذلك بمطالب بالإفراج عن المزيد من الرهائن.. لهذا السبب، يُعد شهر أبريل مهمًا جدًا لعقيدة ترامب في المنطقة.. حملة القصف على الحوثيين، ووقف إطلاق النار في غزة، ومحادثات إيران، ومحادثات روسيا، كلها معلقة.. الإدارة الأمريكية تُوازن بين أمور كثيرة في آن واحد.. بعض هذه الصفقات مترابطة.. تدعم إيران روسيا وحماس.. تربط إيران وقطر علاقات ودية، وتستضيف قطر حماس.. لذلك، من الممكن أن تُعقد صفقة كبرى تجمع مصالح متعددة.. على سبيل المثال، اجتمعت روسيا والصين وإيران مؤخرًا في بكين لمناقشة البرنامج النووي الإيراني.. وقد لعبت المملكة العربية السعودية، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة، دورًا في استضافة روسيا وأوكرانيا للعمل على المحادثات مع الولايات المتحدة.. في غضون ذلك، يُجري البيت الأبيض أيضًا محادثات مع تركيا، وقد تطلب أنقرة بعض الأمور من الولايات المتحدة.. قد تعرض أنقرة المساعدة بشأن حماس أو قضايا أخرى، مثل صفقة حبوب جديدة في البحر الأسود.
هناك أمور أخرى تجري.. ربما تدرس الإدارة الأمريكية ما ستفعله لاحقًا بالقوات الأمريكية في شرق سوريا والعراق.. فللولايات المتحدة قوات في قاعدة (التنف) في سوريا قرب الحدود الأردنية العراقية، ما يعني أن لأمريكا مصلحة في الحكومة السورية الجديدة.. وللحكومة الجديدة في دمشق تداعياتٌ أيضًا على لبنان، الذي وعد الولايات المتحدة أيضًا بقمع حزب الله وتحقيق الاستقرار في البلاد.. أما إسرائيل، فقد أوضحت أنها لن تتسامح مع أي تهديدات من لبنان أو سوريا، وكثّفت قصفها في كلا البلدين.. وترغب تركيا في دعم الحكومة السورية الجديدة، مما يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن هذا يُمهّد لصدام محتمل بين إسرائيل وتركيا، وهو أمر لا ترغب فيه إدارة ترامب.. وهذا يعني أن هناك الكثير مما يجب مناقشته بشأن سوريا، وربما يُنصت البيت الأبيض إلى مخاوف أنقرة.. لذلك، وفي ظل وجود العديد من الأحداث المتغيرة في المنطقة والعالم، سيكون شهر أبريل شهرًا حاسمًا بالنسبة لإدارة ترامب.
●●●
لقد أعلن ترامب، قبل دخوله البيت الأبيض، أنه سيُحل السلام في العالم، وأنه سيحول دون اندلاع حرب عالمية ثالثة.. لكن ما نراه على أرضالواقع، ربما يدفع نحو هذه الحرب.. فقد أعلن ترامب، أمس الأحد، بأنه (غير راضٍ) عن تصرفات نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، مؤكدًا أنه سيفرض تعريفات جمركية إضافية تتراوح بين 25% و50% على مستوردي النفط الروسي، في حال رأى أن موسكو تعيق جهوده لإنهاء الحرب في أوكرانيا.. وقال ترامب، في مقابلة هاتفية مع شبكة NBC NEWS، أنه شعر بغضب شديد، عندما انتقد بوتين مصداقية قيادة نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.
ومنذ توليه منصبه في يناير الماضي، تبنى ترامب موقفًا أكثر تصالحًا تجاه روسيا، وهو ما ترك حلفاءه الغربيين في حالة حذر، في ظل محاولته التوسط لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات بين موسكو وأوكرانيا.. إلا أن تصريحاته الحادة، تعكس إحباطه المتزايد إزاء عدم إحراز تقدم بشأن وقف إطلاق النار هناك.. وأكد ترامب (إذا لم نتمكن أنا وروسيا من التوصل إلى اتفاق لوقف إراقة الدماء في أوكرانيا، وإذا اعتقدت أن روسيا هي المسئولة، فسأفرض رسومًا جمركية ثانوية على النفط، على جميع واردات النفط القادمة من روسيا.. وهذا يعني، أنه إذا اشتريت نفطًا من روسيا، فلن تتمكن من ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة.. ستكون هناك رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على جميع واردات النفط، رسوم تتراوح بين 25 و50 نقطة على جميع واردات النفط).. وقال ترامب إنه قد يفرض التدابير التجارية الجديدة خلال شهر.. ولم يصدر بعد أي رد من موسكو، التي تصف العقوبات والقيود العديدة التي فرضها الغرب، بأنها (غير قانونية) وتهدف لتحقيق مكاسب اقتصادية للغرب في خصومته مع روسيا.
ستفاقم تهديدات ترامب التي أطلقها في الآونة الأخيرة بفرض رسوم جمركية، من المعاناة التي تواجهها الصين والهند ودول أخرى بالفعل، من خلال التدابير التجارية التي فرضت خلال أول شهرين من توليه منصبه، بما في ذلك الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم والسيارات.. ومن المقرر الإعلان عن المزيد من الرسوم الجمركية على الواردات، من الدول ذات الفوائض التجارية الأكبر مع الولايات المتحدة.. وهنا، يقول وليام راينش، المسئول الكبير السابق في وزارة التجارة، والذي يعمل حاليًا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الطريقة العشوائية التي أعلن بها ترامب عن الرسوم الجمركية وهدد بها، تترك الكثير من الأسئلة دون إجابة، بما في ذلك كيف يمكن للمسئولين الأمريكيين تتبع الدول التي تشتري النفط الروسي وإثبات ذلك.. كذلك قال ترامب، إنه قد يفرض عقوبات ثانوية على من يشتري النفط الإيراني، إذا لم تتوصل طهران إلى اتفاق لإنهاء برنامجها النووي.. وكان ترامب قد فرض الأسبوع الماضي، رسومًا جمركية ثانوية، 25 بالمئة، على الواردات الأمريكية من أي دولة تشتري النفط أو الغاز من فنزويلا.
●●●
وأخيرًا.. أكد ترامب، أن جميع الخيارات، وفي مقدمتها القوة العسكرية، مطروحة لضم جزيرة جرينلاند، مبديًا عدم اكتراثه إذا رفعت شركات صناعة السيارات الأجنبية أسعارها بسبب الرسوم الجمركية.. وأوضح ترامب إنه أجرى (محادثات جادة) حول ضم جرينلاند، وهي حاليًا إقليم دانمركي شبه مستقل، قائلًا، (سنحصل على جرينلاند بنسبة 100%.. وهناك احتمال بأن نتمكن من تحقيق ذلك دون استخدام القوة العسكرية)، لكنه لا يستبعد أي احتمال.. وعندما سُئل ترامب عن الرسالة التي سيرسلها الاستحواذ على جرينلاند إلى روسيا وبقية العالم، قال،(لا أفكر في ذلك حقًا.. جرينلاند موضوع منفصل تمامًا، ومختلف.. إنه سلام دولي، وأمن وقوة دولية )!!.. وأضاف، (هناك سفن تبحر خارج جرينلاند من روسيا والصين ودول أخرى كثيرة.. ولن نسمح بحدوث أمور، من شأنها أن تُلحق الضرر بالعالم أو الولايات المتحدة).
وعندما سُئل عن رسالته الأخيرة إلى الرؤساء التنفيذيين لشركات صناعة السيارات، وما إذا كان قد حذرهم من رفع الأسعار، قال ترامب، (الرسالة هي تهانينا، إذا صنعتم سياراتكم في الولايات المتحدة، فستربحون الكثير من المال.. وإلا، فربما ستضطرون للقدوم إلى الولايات المتحدة، لأنه إذا صنعتم سياراتكم في الولايات المتحدة، فلن تُفرض رسوم جمركية).. وذكر ترامب أنه لا ينوي تأجيل فرض الرسوم الجمركية المقررة في الثاني من أبريل المقبل، وأنه سينظر في التفاوض بشأن هذه النقطة، (فقط إذا كانت الدول على استعداد لتقديم شيء ذي قيمة كبيرة لنا.. لأن الدول لديها أشياء ذات قيمة كبيرة، وإلا، فلا مجال للتفاوض).
وتبقى السياسات الجيوسياسية التي يطرحها ترامب موضوعًا مثيرًا للجدل.. في حين يراها البعض خطوة جريئة نحو تعزيز القوة الأمريكية، يرى آخرون أنها تشكل تهديدًا للأمن الدولي واستقرار العلاقات بين الدول الكبرى.. وفيما تواصل الولايات المتحدة السعي وراء توسيع نفوذها، يبقى العالم في حالة ترقب، إلى أي شاطئ قد تؤول إليه هذه الأمواج الأمريكية العاتية؟.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. أمين.