أ أ
ظاهرة انتشار الكلاب الضالة مشكلة مجتمعية تتطلب التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية بهذه الظاهرة "الطب البيطري – الصحة – المحليات – البيئة"، وتعتبر الأماكن المهجورة وتراكم القمامة العامل الرئيسي في تكاثر وانتشار الكلاب الضالة، حيث لا تقتصر ظاهرة انتشار الكلاب الضالة على نقل الأمراض المشتركة وأهمها مرض السعار، بل تمتد إلى ما تسببه هذه الحيوانات من حالات الرعب والهلع والتخويف وما ينتج عنها من إصابات عضوية ونفسية للآدميين.
وقال تقرير الخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، إن عمليات تعقيم وإخصاء الكلاب مكلفة وتحتاج إلى عدة إجراءات، منها عمل الخيام والأقفاص وتدريب الأطباء والعمال على عمليات الخصي والتعقيم والصيد، وأحواض مياه تستخدم في العمليات البيطرية، وحملات بيطرية تقام في كل منطقة من مناطق تكاثر الكلاب من يومين إلى خمسة أيام وحتى الانتهاء من إجراء عمليات التطعيم.
وأشار تقرير الخدمات البيطرية، إلى أن عمليات الإخصاء والتطعيم تحتاج إلى إجراء جراحات تناسلية للذكر والأنثى على السواء داخل مخيمات و "بوكسات" مجهزة بأدوات جراحية وأدوات تخدير ومضادات حيوية بعد القيام بصيدها من الأحياء والشوارع باستخدام شباك أو خطاطيف، حيث يقوم الأطباء البيطريون بتخديرها وإزالة الخصيتين من الذكور والمبايض من الإناث، بعدها يظل الحيوان تحت الملاحظة 48 ساعة، وإطلاقه بعد وضع علامة بذلك، وأن هذه الطريقة تساهم بشكل كبير في تقليل أعدادها على المدى الطويل ولكنها مكلفة.
حذر الدكتور محمود حمدي، وكيل النقابة العامة للأطباء البيطريين، من تزايد خطر انتشار الكلاب الضالة في شوارع مصر، مشيرًا إلى أن الظاهرة باتت تهدد التوازن المجتمعي إذا لم يتم التعامل معها بحلول جذرية وسريعة، موضحًا أن التقديرات تشير إلى وجود كلب ضال لكل خمسة مواطنين، ما يُعد مؤشرًا مقلقًا يتطلب تدخلًا عاجلًا قبل أن تتفاقم المشكلة إلى مستوى يصعب السيطرة عليه.
وأكد خلال لقائه في برنامج "كلمة أخيرة" على قناة ON، أن دورة حياة الكلاب الضالة تسهم في تضاعف أعدادها بوتيرة سريعة، حيث تلد أنثى الكلب مرتين في العام، بمعدل يتراوح بين 5 إلى 10 جراء في كل مرة. وأضاف: "إذا لم تتم السيطرة، فقد ترتفع أعداد الكلاب من مليون إلى ثمانية ملايين خلال عام واحد فقط، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا خلال العامين المقبلين".
وشدد وكيل النقابة على أن الأطباء البيطريين ليسوا مسؤولين عن ملاحقة الكلاب في الشوارع، قائلًا: "نحن لسنا صيادين، ودورنا الأساسي هو علاج الحيوان ورعايته، وليس القضاء عليه أو مطاردته"، منتقدًا ما وصفه بتحويل غير مدروس لهذه المهمة إلى الأطباء البيطريين، مشيرًا إلى أن التعامل مع الكلاب الشرسة يجب أن يتم وفق معايير دولية وضعتها منظمات مثل منظمة الصحة العالمية للحيوان، والتي تنص على ضرورة تدخل متخصصين مؤهلين وليس أطباء بيطريين، لما يشكله ذلك من مخاطر صحية، أبرزها احتمالية الإصابة بالسعار أو التعرض للعقر.
وبشأن الكوادر المتخصصة، ذكر حمدي أن عدد الأطباء البيطريين المسجلين بالنقابة يبلغ حوالي 91 ألف طبيب، إلا أن بيانات دقيقة بشأن المتخصصين في علاج الكلاب والقطط لا تزال غير متاحة، وختم تصريحه بالتأكيد على أهمية وضع خطة وطنية متكاملة تشمل التوعية، والتطعيم، والتعقيم، إلى جانب تحديد جهة واضحة للتعامل الميداني مع الكلاب الضالة بما يضمن السلامة العامة.
فيما أكدت الإعلامية لميس الحديدي أن ملف "الكلاب الضالة" لا يزال يمثل صداعًا في رأس المواطنين، مشيرة إلى استمرار رصد وقائع مؤلمة وخطيرة تتعلق بهذه الكلاب، سواء تلك التي يستعرض بها أصحابها قوتهم على المارة، أو حوادث العقر التي تقع ضحيتها أرواح بريئة في الشوارع، وخلال تقديمها حلقة جديدة من برنامجها "كلمة أخيرة" عبر شاشة ON، استعرضت الحديدي قصصًا لمواطنين فارقوا الحياة بأزمات قلبية فزعًا من الكلاب، أو آخرين لجأوا إلى قتلها دفاعًا عن أنفسهم.
وكشفت عن تقديرات صادمة تشير إلى وجود نحو 20 مليون كلب ضال تجوب شوارع المحروسة، أي ما يعادل كلب لكل خمسة مواطنين، واصفة هذه النسبة بـ "المرعبة"، وأضافت بتعجب: "إذا صحت هذه التقديرات، وبوجود 20 مليون كلب ضال مقابل 110 ملايين نسمة، فإن الأرقام تصبح كارثية، والحل يكمن في قانون تنظيم حيازة الحيوانات".
وأشارت إلى بارقة أمل بعد عامين من الانتظار، حيث أعلن مجلس الوزراء عن موافقته على اللائحة التنفيذية لهذا القانون، وذلك عبر مشروع قرار رئيس مجلس الوزراء بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 29 لسنة 2023، واختتمت لميس الحديدي حديثها قائلة: "لا نزال على أعتاب صدور اللائحة، ونأمل ألا يتكرر سيناريو التأخير السابق، لأن هذا القانون سيمنح مهلة عام لحائزي الحيوانات لتوفيق أوضاعهم، وسيضع حدًا لاقتناء أنواع معينة من الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور، والأهم من ذلك، من المفترض أن يقدم حلًا جذريًا لأزمة الكلاب الضالة في الشوارع، كما هو معمول به في مختلف دول العالم".
فيما حذرت الدكتورة سهير عبده، نقيبة الأطباء البيطريين بأسوان، من تفاقم المشكلة، مؤكدة أن الظاهرة لا تقتصر على أسوان فحسب، بل تمثل أزمة عامة على مستوى الجمهورية. وأشارت إلى العبء الاقتصادي الكبير الذي تتحمله الأسر والقطاع الصحي، حيث تصل تكلفة علاج المصاب الواحد إلى نحو 600 جنيه نتيجة الحاجة إلى خمس جرعات من المصل المضاد للسعار.
ولمواجهة هذه الظاهرة، كشفت نقيبة البيطريين عن تبني النقابة لاستراتيجية متكاملة تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية: التوعية المجتمعية، خاصة بين الأطفال والنساء، بكيفية التعامل الآمن مع الكلاب الضالة، وحملات تطعيم شاملة للكلاب الضالة للوقاية من الأمراض وعلى رأسها داء الكلب، وبرامج تعقيم منهجية تهدف إلى تقليل أعداد الكلاب الضالة بشكل مستدام.
كما أشادت الدكتورة سهير باللائحة التنفيذية الجديدة لقانون اقتناء الحيوانات الخطرة والكلاب، التي صدرت قبل أيام، مشيرة إلى أنها تضع ضوابط لترخيص وتعقيم الكلاب وتحدد شروط اصطحابها في الأماكن العامة، مؤكدة أن تطبيق هذه القوانين يمثل خطوة هامة نحو الحد من الظاهرة، وتطرقت في حديثها إلى واقعة "كلب المحلة"، موضحة أن الإهمال في ترك الكلب دون رقابة أدى إلى إصابة عدد من الأطفال، مطالبة المواطنين بضرورة الالتزام بترخيص حيواناتهم وتطعيمها وتعقيمها لدى الجهات المختصة.
وفي ختام تصريحها، وجهت الدكتورة سهير دعوة لكافة الجهات المعنية في أسوان، من المحافظة ومديرية الطب البيطري والصحة، إلى جانب منظمات المجتمع المدني، للتكاتف من أجل تنفيذ الحلول المطروحة وضمان بيئة أكثر أمانًا وصحة للمواطنين.
أكدت الدكتورة منى خليل، رئيسة جمعيات الرفق بالحيوان، أن الاستراتيجية المعتمدة في القانون الجديد الخاص بالتعامل مع الكلاب الضالة تقوم على التعقيم والتطعيم، وليس القتل، مشيرة إلى أن مدينة الشيخ زايد كانت من أوائل المدن التي بدأت تنفيذ حملات تعقيم للكلاب منذ نحو ست سنوات.
وخلال مداخلتها في برنامج «كلمة أخيرة» على قناة ON E، شددت خليل على أهمية نشر الوعي بين المواطنين بشأن التعامل الإنساني مع الكلاب في الشوارع، معربة عن استيائها من الممارسات العنيفة التي تتعرض لها هذه الحيوانات يوميًا، مثل الضرب بالحجارة، وسكب الماء المغلي أو ماء النار، بل وأحيانًا اختطاف الجراء من أمهاتها.
واستشهدت بحادثة مؤسفة لطفل يبلغ من العمر سبع سنوات قام بربط كلب إلى عمود كهربائي، معتبرة أن مثل هذه الوقائع تؤكد الحاجة الملحة لتثقيف المجتمع، ودعت إلى مراجعة إحصائيات جمعيات الرفق بالحيوان لرصد حجم هذه الجرائم.
وعن التشريع الجديد، أوضحت خليل أن اللائحة التنفيذية للقانون وفرت مصادر أولية لتمويل برامج التعقيم، من أبرزها فرض زيادة بنسبة 20% على الرسوم الجمركية الخاصة بمستلزمات الحيوانات الأليفة، إلى جانب رفع رسوم تراخيص اقتناء الحيوانات، والغرامات المفروضة على المخالفين، وأضافت أن الزيادة الجمركية بدأ تطبيقها منذ يناير الماضي، بينما ما زالت باقي آليات التمويل قيد المتابعة والإعلان، في انتظار توضيح حجم الموارد المتاحة حتى الآن.
وقال تقرير الخدمات البيطرية، إن مرض السعار يعد من أخطر الأمراض المشتركة نظرًا لخطورته على الصحة العامة والتي تستوجب الإسراع بمكافحة المرض وكسر دورة انتقاله في الحيوانات والكلاب الضالة، بإجراء خطة شاملة للمكافحة طبقًا للإمكانيات المتاحة ووفقًا للقرارات والقوانين المنظمة لذلك.
تقرير وزارة الزراعة يقول إن البدء في عمليات التعقيم الجراحي هو ارتفاع التكلفة، وهو ما يعني إهدار ملايين الجنيهات لتعقيم ذكور الكلاب الضالة، مشيرًا إلى أن التفكير في التعقيم الجراحي والقضاء على الحيوانات الضالة بإلقاء السموم في الأطعمة أو بإطلاق النيران، يتطلب وجود عيادات جراحية ومضادات حيوية وأماكن إيواء الكلاب بعد إجراء الجراحة وسيارات النقل وعمال لصيد الكلاب، وبعد إجراء العملية يتم إعادة الكلاب مرة أخرى إلى الشارع، وهو عبء مكلف ولا تتحمله ميزانية الدولة.
الإدارة المركزية للصحة العامة بالهيئة العامة للخدمات البيطرية، أكدت سابقًا أن هناك فتوى من دار الإفتاء المصرية برقم 1723 لسنة 2007 حول حكم الشرع في قتل الكلاب والقطط الضالة، وجاءت الفتوى أن بعض العلماء أشاروا إلى أن الكلب العقور من الحيوانات المؤذية بنباحه وتخويفه المارة أو عدوانه، وغير ذلك فإن كان مؤذيًا فلا خلاف في جواز قتله إن لم يندفع الضرر بغير ذلك، مؤكدة أن هناك أمراضًا كثيرة تنتقل من الكلاب للإنسان تزيد عن 300 مرض خطير منها السل، السعار، الجرب، حويصلات الديدان الشريطية، التكسوبلازما وهو يسبب إجهاض السيدات الحوامل، البروسيلا، والقراع.
بالنسبة لتعقيم إناث الكلاب وجعلها لا تلد كان مكلفًا في السابق، ولكن الأمر يختلف الآن عن التقدير السابق، وهذا يتطلب أن تقوم الدولة في دائرة كل حي أو مدينة بتوفير سيارة شاسيه طويل وأقفاص حديدية وكرباج للإمساك بالكلب وعمالة مدربة وتعيين أطباء بيطريين لوجود عجز في الأطباء البيطريين، بالإضافة إلى توفير مكان لإقامة الكلاب لمدة 24 ساعة بعد إجراء العملية، وبهذا يمكن تقليل عدد الكلاب لمدة تتراوح من 4 إلى 5 سنوات، وهذا لا يعني القضاء عليها نهائيًا ولكن الحد من الولادات الجديدة.