أ أ
في السابع عشر من أبريل من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لتقدير الخفافيش ,هذه المناسبة الهامة تهدف إلى تسليط الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه الخفافيش في نظامنا البيئي، ومكافحة المفاهيم الخاطئة والصور النمطية السلبية التي غالباً ما ترتبط بها ,على مر العصور، ارتبطت الخفافيش بالخرافات والأساطير المخيفة.
تُعد الخفافيش المصرية مؤشراً دالاً على سلامة النظام البيئي وتوازنه بل إنها تعتبر جزء أصيل من تصميمه ووظيفته. فوجودها يعكس جودة البيئة وصحتها بينما تسهم أنشطتها بشكل فعال في تشكيل التنوع النباتي وتنظيم أعداد الحشرات.
لذا، تتطلب حماية هذه المخلوقات الرائعة تبني استراتيجيات متكاملة تُقر بقيمتها البيئية الجوهرية وتستجيب في الوقت ذاته للمخاوف الإنسانية المشروعة. إن فهم الخفافيش المصرية وحمايتها لا يمثل ضرورة بيئية فحسب بل يكتسب أهمية قصوى لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة خاصة في ظل التحديات العالمية المتمثلة في فقدان التنوع البيولوجي وتداعيات تغير المناخ. إنها بمثابة تذكير حي بالعلاقات البيئية المعقدة التي نعرضها للخطر عند التدخل في مقومات بقائها.
ان للخفافيش المصرية اهمية في الحفاظ على التنوع البيولوجي في إفريقيا والشرق الأوسط وبعض مناطق آسيا كما تعتبر الخفافيش المصرية—خاصة خفاش الفاكهة المصري (Rousettus aegyptiacus) وخفاش القبور المصري (Taphozous perforatus)—ضرورية للحفاظ على التوازن البيئي من خلال تلقيح الأزهار وتوزيع البذور ومكافحة الآفات والعمل كمؤشرات على صحة البيئة كما تعتبر هذه الثدييات الطائرة المدهشة داعماً قوياً للتنوع البيولوجي.
بسبب سلوكياتها وتكيفاتها الفريدة فهي تعتبر عناصر أساسية في الانظمة البيئية مما يبرز الخط الرفيع الذي يفصل بين النشاط البشري والحفاظ على الحياة البرية. تُعد الخفافيش، بما تتميز به من سلوكيات وتكيفات فريدة، عناصر جوهرية في الأنظمة البيئية المتنوعة، مما يسلط الضوء على التوازن الدقيق الذي يفصل بين الأنشطة البشرية وضرورة الحفاظ على الحياة البرية. وبفضل سلوكياتها وتكيفاتها المميزة، تتبوأ هذه الكائنات مكانة أساسية في شبكاتها البيئية.
و يعتبر خفاش الفاكهة المصري (Rousettus aegyptiacus) أحد الأنواع ذات الأهمية البيئية البالغة في المنطقة، وهو النوع الوحيد من خفافيش الفاكهة الذي يستوطن أوروبا. يتميز هذا الخفاش بحجمه المتوسط نسبياً، حيث يتراوح وزنه بين 80 و 170 جراماً، ويصل طول جناحيه إلى حوالي 60 سنتيمتراً. ويضطلع بدور حيوي كملقح هام في النظم البيئية لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.
إضافة إلى ذلك، تُعرف هذه الخفافيش بطبيعتها الاجتماعية العالية، حيث يمكن أن تعيش في مستعمرات ضخمة قد تتجاوز أعدادها 9,000 فرد
خفاش المقابر المصري Taphozous perforates تُسهم هذه الأنواع الحشرية بشكل مميز وهذا الخفاش الصغير الحجم، الذي يزن حوالي 30 جرامًا، خبير في صيد الحشرات في الهواء.
والمصدر غذائها الرئيسي هو العث، الذي يشكل 57% من نظامها الغذائي، لكنها تستهلك أيضًا النمل الأبيض والخنافس والحشرات الأخرى.إنه ضروري لإدارة أعداد الحشرات التي قد تصبح آفات زراعية في حالة عدم السيطرة عليها.
دور الخفافيش في الحفاظ على التنوع البيولوجي؟
1- تجديد الغابات وانتشار البذور: دور البستاني في النظام البيئي
يضطلع خفاش الفاكهة المصري بدور محوري كـ "بستاني" فعال في النظام البيئي، حيث يساهم نظامه الغذائي القائم على الفواكه بشكل كبير في انتشار بذور العديد من الأشجار والنباتات, هذه العملية الحيوية تلعب دورًا أساسيًا في تجديد الغابات والحفاظ على سلامة وتوازن النظم البيئية. تقوم الخفافيش بنقل الفواكه بعيدًا عن الأشجار الأم لاستهلاكها مما يؤدي إلى نثر البذور على مسافات واسعة.علاوة على ذلك، فإن مرور البذور عبر جهازها الهضمي يعزز إنباتها مما يزيد من فرص تكيف النباتات ونموها بنجاح في بيئاتها الجديدة. تتجلى أهمية هذه الآلية بشكل خاص في تعافي الغابات وتجددها عقب الاضطرابات الطبيعية أو البشرية مثل الحرائق وعمليات قطع الأشجار. جدير بالذكر أن بعض الأنواع النباتية وعلى رأسها شجرة الباوباب الشهيرة تعتمد اعتمادًا شبه كلي على الخفافيش الثمرية في عملية انتشار بذورها، مما يبرز الدور البيئي الجوهري الذي تضطلع به هذه المخلوقات.
2- التلقيح الليلي ودعم الإنتاج الزراعي:
تمثل الخفافيش المصرية ملقحات ليلية بالغة الأهمية للعديد من أنواع الزهور التي تتفتح في الظلام , وقد طورت هذه الأزهار تكيفات خاصة لجذب الخفافيش، مثل الروائح النفاذة والألوان الفاتحة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الخفافيش في تلقيح محاصيل زراعية ذات قيمة اقتصادية عالية، مثل الموز والمانجو ونباتات الأغاف، مما يدعم الإنتاجية الزراعية ويعزز الأمن الغذائي.إن قدرة الخفافيش على نقل حبوب اللقاح لمسافات طويلة بين تجمعات النباتات المختلفة تساهم في الحفاظ على التنوع الجيني داخل الأنواع النباتية، وهو عنصر حيوي لمرونة النظم البيئية وقدرتها على التكيف مع التغيرات البيئية المختلفة."+
3- مكافحة الآفات:
تعتبر الخفافيش من أفضل المكافحات الطبيعية للحشرات, يمكن لخفاش واحد أن يأكل آلاف الحشرات في الليلة الواحدة، بما في ذلك البعوض والآفات الزراعية الضارة. هذا يساعد في تقليل الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية، وبالتالي حماية البيئة وصحة الإنسان.كلا النوعين يقدمان خدمات لا تقدر بثمن لمكافحة الآفات حيث ان الخفاش المقبرة المصري يأكل آلاف الحشرات بما في ذلك الآفات الزراعية.
افتراسها يفيد المزارعين والنظم البيئية من خلال تقليل الحاجة إلى المبيدات الكيميائية. تشبه أنواع الخفافيش في الولايات المتحدة توفر للمزارعين توفيرات سنوية في مكافحة الآفات بمليارات الدولارات.
3- آليات حسية متقدمة:
تعد خفافيش الفاكهة المصرية من الأنواع القليلة التي تمتلك القدرة على تحديد الموقع بالصدى عبر إصدار نقرات لسانية ضمن نطاق ترددي واسع يتراوح بين 12 و 70 كيلوهرتز, هذه الميزة الفريدة تضاف إلى مجموعة من التكيفات المدهشة التي تتمتع بها هذه الكائنات, إضافة إلى ذلك فانهاى تمتلك حاسة شم قوية وعيونًا كبيرة الحجم تتلاءم مع الرؤية الفعالة في ظروف الإضاءة المنخفضة. كما تتميز بنسبة وزن الدماغ إلى وزن الجسم التي تُصنف ضمن النسب الأعلى بين جميع أنواع الخفافيش.تُظهر خفافيش الفاكهة المصرية أنظمة تواصل صوتي متطورة. كما أنها تُبدي استراتيجيات بحث مرنة عن الغذاء تتكيف مع توافره حيث تقوم بتوسيع نطاق تحركاتها بحثًا عن الطعام عندما يصبح نادرًا.
4- مؤشرات بيئية:
تعد الخفافيش مؤشرات بيئية حساسة للتغيرات الطارئة في النظم الإيكولوجية ,فالانخفاض الملحوظ في أعدادها قد ينذر بوجود اختلالات بيئية عميقة كالتلوث البيئي وتدهور الموائل الطبيعية, وعلى الرغم من دورها البيئي الحيوي تواجه الخفافيش المصرية تهديدات متزايدة ومتنوعة من أبرزها:
تدهور الموائل: أدت إزالة الغابات والتوسع الحضري والزراعي إلى فقدان واسع النطاق لمواطنها الطبيعية.
الممارسات الضارة: غالبًا ما تتعرض مستعمراتها للتسميم أو الإبادة باعتبارها آفات زراعية.
تعطيل مواقع الراحة: يتم تدمير أو إزعاج مواقع استراحتها في الكهوف والمباني المهجورة.
تغير المناخ: يؤدي تغير المناخ إلى اضطراب أنماط سباتها وتغيير في توافر مصادر الغذاء.
لذا يصبح من الضروري حث المنظمات والحكومات على تبني وتنفيذ إجراءات فعالة لحماية الخفافيش وموائلها المهددة بالانقراض نتيجة لفقدان الموائل والتلوث وتغير المناخ. وفي هذا السياق يمكن لكل فرد أن يساهم في تقدير الدور الفعال لهذه المخلوقات من خلال تعزيز الوعي بأهميتها ومشاركة المعلومات الصحيحة ودعم جهود الحفاظ عليها"
5- ألابحاث العلمية:
تثير الخفافيش اهتمام العلماء بسبب قدرتها الفريدة على الطيران وتحديد المواقع بالصدى ومقاومتها لبعض الأمراض. دراسة هذه القدرات يمكن أن تؤدي إلى اكتشافات علمية مفيدة للبشرية. 
ما هي المخاوف العالمية المرتبطة بالخفافيش
تم تحديد خفافيش المقابر المصرية كمستودع محتمل لفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV) ويشير التوسع في الأنشطة البشرية وتداخلها مع مواطن الخفافيش إلى تزايد خطر انتقال الأمراض والتواصل المباشر بين الإنسان وهذه الكائنات. وعلى الرغم من ذلك، تتميز الخفافيش بقدرتها على التعايش مع مجموعة متنوعة من الفيروسات التي قد تصيب أنواعًا أخرى، ويعزى ذلك إلى أنظمتها المناعية الفريدة.لقد سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على الدور المعقد الذي تلعبه الخفافيش في ديناميكيات تفتيت الموائل وفقدان التنوع البيولوجي، وهي عوامل يمكن أن تزيد بشكل كبير من خطر ظهور وانتشار الأمراض الحيوانية المنشأ , هذا الدور المعقد للخفافيش في سياق تدهور البيئة يؤكد على أهمية فهم وإدارة التفاعلات بين الإنسان والحياة البرية للحد من المخاطر الصحية العالمية المحتملة
كيفية الحفاظ على تواجد الخفافيش
1- زيادة الوعي: يهدف هذا اليوم العالمي إلى زيادة الوعي بأهمية الخفافيش وفوائدها العديدة للبيئة والاقتصاد. 2- مكافحة المفاهيم الخاطئة: يسعى إلى تصحيح التصور النمطي السلبي والخرافات المرتبطة بالخفافيش وتعزيز فهم أفضل لطبيعتها وسلوكها.
ولكي تكون جهود الحفظ فعالة فيجب فيجب وضع تصورات لتحديد وحماية مناطق التنوع البيولوجي الرئيسية (KBAs) للخفافيش تشمل على
أ- الحفاظ على أشجار الفاكهة الناضجة وأنظمة الكهوف التي تعتبر ضرورية للتغذية والتسكين
ب- استخدام طرق الزراعة المستدامة لتقليل الصراعات بين الخفافيش والبشر
ت- التثقيف العام لتفكيك الأساطير والتأكيد على الفوائد البيئية للخفافيش
ث- نشاء طرق زراعية صديقة للخفافيش تحافظ على الخفافيش وتحمي المحاصيل 
بقلم د.داليا المصري باحث اول - د. مروة فتحي باحث مساعد
معهد بحوث الصحة الحيوانية
مركز البحوث الزراعية
