الاثنين 14 ابريل 2025 | 07:45 مساءً

الاستثمار في التعليم والتدريب

يُعد القطاع الصناعي في المملكة العربية السعودية أحد الركائز الجوهرية لتنويع الاقتصاد الوطني، وتعزيز مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي، مما يجعله محوريًا في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030. ومن هذا المنطلق، تبرز تنمية القدرات البشرية كعامل حاسم في دعم التحول الصناعي نحو التقدم والابتكار، عبر الاستثمار في الكفاءات الوطنية، ورفع الإنتاجية، وتسريع وتيرة النمو المستدام.
نمو متسارع للقطاع الصناعي وتقدم لافت في التوطين
شهد القطاع الصناعي في المملكة نموًا ملحوظًا خلال الأعوام الماضية، مدفوعًا بمبادرات تحديث واسعة وإستراتيجيات وطنية طموحة. ووفقًا لبيانات وزارة الصناعة والثروة المعدنية، ارتفع عدد العاملين في القطاع بنسبة تقترب من 85% منذ عام 2019، في حين بلغ معدل توطين الوظائف الصناعية 36%. كما تضاعفت مشاركة المرأة في القطاع خلال خمس سنوات، لتصل إلى 31% من إجمالي القوى العاملة، مما يعكس تحولات نوعية في هيكل سوق العمل الصناعي.
إستراتيجية وطنية طموحة تقود تحول الصناعة السعودية
أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الإستراتيجية الوطنية للصناعة، والتي تمثل نقطة انطلاق لتحول شامل في القطاع، وحددت 12 قطاعًا صناعيًا إستراتيجيًا للنمو، من بينها صناعات ناشئة مثل السيارات والطائرات، وتهدف إلى مضاعفة عدد المصانع والوظائف، وزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي بحلول عام 2030.
تحديات المهارات وتغيرات سوق العمل العالمي
رغم هذا النمو، يواجه سوق العمل الصناعي تحديات تتعلق بمواءمة مهارات العاملين مع تطورات الصناعة الحديثة، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية، والتقنيات المتقدمة. وتشير التقديرات إلى أن نحو 40% من المهارات الأساسية للعاملين ستتغير بحلول عام 2030، مع احتمال نشوء أكثر من 34 مليون وظيفة جديدة عالميًا نتيجة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر.
مبادرات نوعية لتطوير الكفاءات الصناعية
استجابة لهذه التحديات، أطلقت المملكة عددًا من المبادرات الإستراتيجية لتأهيل الكوادر البشرية في قطاعي الصناعة والتعدين. من أبرزها:
إستراتيجية تنمية القدرات البشرية الصناعية، التي تركز على استقطاب المواهب وتمكينها من خلال بيئات عمل محفزة.
الأكاديمية الوطنية للصناعة، التي بدأت أعمالها مطلع عام 2024، كمركز وطني لتأهيل الشباب من خلال 18 برنامجًا تدريبيًا متخصصًا بالتعاون مع جهات محلية وعالمية.
الأكاديمية الوطنية للمركبات (NAVA)، التي أُطلقت بالشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة لتأهيل الكوادر للعمل في قطاع السيارات الكهربائية، بالتعاون مع شركات مثل هيونداي ولوسيد، وبدءًا من إطلاق شركة 'سير' السعودية.
الاستثمار في الابتعاث والشراكات التعليمية الدولية
أولت المملكة اهتمامًا متزايدًا ببرامج الابتعاث الدولي لتأهيل الكوادر الوطنية في التخصصات التقنية والهندسية، بما يواكب احتياجات القطاع الصناعي. ويُنسق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي مع برنامج تنمية القدرات البشرية لإيفاد طلاب إلى جامعات عالمية مرموقة. كما وقعت وزارة الصناعة اتفاقيات مع شركات صناعية لابتعاث وتوظيف الخريجين.
وفي موازاة ذلك، تعمل الوزارة على تعزيز الشراكات الأكاديمية بين الجامعات السعودية ونظيراتها الدولية، لتطوير برامج تعليمية متقدمة، وضمان نقل المعرفة الصناعية وتوطينها.
العمالة الأجنبية كجسر للمعرفة ونقل الخبرات
على الرغم من التركيز على تطوير الكوادر الوطنية، إلا أن العمالة الأجنبية المتخصصة لا تزال تلعب دورًا مهمًا في دعم بعض الصناعات التي تتطلب خبرات فنية نادرة. ولذلك، قررت الحكومة تمديد تحمل الدولة للمقابل المالي للعمالة الوافدة في المصانع حتى نهاية عام 2025، لتوفير بيئة محفزة للاستفادة من هذه الخبرات مع ضمان نقل المعرفة إلى السعوديين.
نحو مستقبل صناعي واعد بقيادة سعودية
مع مواصلة تنفيذ البرامج التدريبية وتكثيف الاستثمار في رأس المال البشري، يسير القطاع الصناعي السعودي نحو مستقبل أكثر تطورًا واستدامة، حيث يتوقع أن تُحدث الكفاءات الوطنية المؤهلة نقلة نوعية في ريادة الصناعة السعودية على المستوى الإقليمي والعالمي، ما ينسجم مع مستهدفات رؤية 2030، الهادفة إلى تحويل المملكة إلى مركز صناعي عالمي قائم على المعرفة والابتكار.