تتصاعد احتمالات اندلاع الحرب بشكل أكبر فى الشرق الأوسط مع تمركز ٣ حاملات طائرات أمريكية فى الخليج العربى والبحر الأحمر، فى تحرك عسكرى يُفسَّر على أنه تهديد مباشر لإيران بسبب برنامجها النووى.
وتأتى هذه التحركات بالتزامن مع دعوات أمريكية لحل قوات «الحشد الشعبى» العراقى، الحليف الأقرب لطهران، بينما تستمر الطائرات الأمريكية بقصف العاصمة اليمنية صنعاء ومدن أخرى، فى تصعيد يزيد من حدة التوتر الإقليمى.
وتتناقض هذه الخطوات مع وعود الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية، عندما رفع شعار «إنهاء الحروب وإحلال السلام»، وهو الخطاب الذى ساعده فى الفوز الساحق أمام منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، نائبة الرئيس السابق جو بايدن.
وبدلًا من تحقيق السلام، تُفاقم سياسات «ترامب» الأزمة فى المنطقة، حيث تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية الواسعة فى غزة والضفة الغربية، وسط اتهامات دولية بـ«الإبادة الجماعية» و«التطهير العرقى».
وتعارض الدول العربية هذه التصرفات، معتبرة إياها محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، فى ظل صمت المجتمع الدولى وعجزه عن تنفيذ حل الدولتين أو وقف الانتهاكات.
وبهذا المسار المتصاعد تبدو آفاق السلام بعيدة المنال، بينما تستمر دوامة العنف والتوتر دون أى بوادر حقيقية للحلول السياسية العادلة.
واستبعد المحلل السياسى الإماراتى، محمد خلفان الصوافى، احتمالية اندلاع حرب كبرى فى المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران، رغم التصعيد العسكرى الحالى واختلاف إدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، عن سابقاتها.
وتوقع «الصوافى»، خلال حديثه مع «الدستور»، أن يواجه النظام الإيرانى ضغوطًا غير مسبوقة تحت حكم «ترامب»، خاصة إذا رفض الدخول فى مفاوضات جديدة حول الملف النووى، وهذه الضغوط قد تتخذ شكل عقوبات اقتصادية خانقة، أو حتى محاولات لإثارة الاضطرابات الداخلية، فى مشهد قد يُذكّر بانهيار نظام الشاه أواخر السبعينيات.
وحلل «الصوافى» تداعيات هذا التصعيد على المنطقة، قائلًا: «سيُقاس موقف إيران من دول الخليج بعلاقتها مع واشنطن، فهى تعتبر- خطأ- أن أى تحسن فى العلاقة مع أمريكا يجب أن تقابله تهدئة مع الجوار الخليجى، والعكس صحيح».
وأضاف: «ترامب ينتهج فلسفة السلام عبر القوة، فهو يعتقد أن الحلول يجب أن تُفرض بما يتوافق مع رؤيته، وأن العقوبات والحروب هى أدوات مشروعة ضد من يرفضون هذه الرؤية، هذا ما طبقه مع أوكرانيا، وقد يطبقه مع إيران عبر استهداف حلفائها فى اليمن والعراق».
وتوقع المحلل الإماراتى أن تستمر الإدارة الأمريكية فى تقويض النفوذ الإيرانى عبر استهداف الحوثيين فى اليمن وميليشيات الحشد الشعبى فى العراق، فى حال رفضت طهران العودة إلى طاولة المفاوضات.
وسبق وكشف وزير الخارجية الإيرانى، محمد جواد ظريف، عن أن طهران أرسلت ردًا رسميًا عبر سلطنة عُمان على رسالة «ترامب» التى دعا فيها إلى مفاوضات نووية جديدة، موضحًا أن الرد الإيرانى «يشرح بالتفصيل موقف طهران من الرسالة الأمريكية والوضع الراهن».
فيما رأى طلال السعيد، البرلمانى الكويتى السابق، أن زمن الحروب التقليدية ومواجهات الجيوش النظامية قد ولّى إلى غير رجعة، مشيرًا إلى أن التكتيكات العسكرية الكلاسيكية التى تُدرس فى الكليات العسكرية لم تعد صالحة فى عصر تفوق القوة الجوية الأمريكية التى تهيمن على الفضاء دون منازع.
وأضاف «السعيد»: «الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة ليس عبثيًا. التصعيد المتوقع سيستهدف أولًا الحشد الشعبى فى العراق وما يرتبط به من فصائل، ثم إيران وحرسها الثورى والميليشيات التابعة لها».
ورأى أن الولايات المتحدة تعرف أهدافها بدقة وتضربها ببراعة، تمامًا كما حدث مع الحوثيين، مضيفًا أن إيران قد تحاول تفادى الضربات عبر التفاوض، لكن الميليشيات العراقية ستقع فى الفخ الأمريكى.
فى السياق ذاته، رأى المحلل السياسى التونسى، باسل ترجمان، أن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، انتهج منذ بداية ولايته الثانية مسارًا مختلفًا جذريًا عن سابقه، معتمدًا على سياسة فرض الإرادة بالقوة العسكرية، موضحًا أن هذا النهج الجديد يتسم بمحاولات غير مبررة لخلق صراعات قد تعجز واشنطن عن إدارتها بفاعلية.
وأشار المحلل التونسى إلى سلسلة من التحركات الأمريكية المثيرة للجدل، وتشمل النزاع مع المكسيك، والخلاف حول جرينلاند مع الدنمارك، بالإضافة إلى التصريحات غير المفهومة حول تهجير الفلسطينيين من غزة.
كما لفت إلى التصعيد العسكرى الأخير ضد الحوثيين فى اليمن والتهديدات المتكررة الموجهة لإيران، مع تعزيز الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة.
وحذر من أن هذه السياسة تواجه تحديات جسيمة، خاصة فى ظل تزايد رفض الناخب الأمريكى استمرار الإنفاق العسكرى الباهظ على حروب لا تنتهى.
وبيّن أن التهديدات العسكرية الأمريكية تفتقر إلى الجدوى العملية، نظرًا لاستنزاف القوات الأمريكية فى صراعات مستمرة منذ ١٩٩٠ دون تحقيق انتصارات حاسمة.