الجمعة 21/مارس/2025 - 05:14 م
أكَّد الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الإسلام والعلم لا يتعارضان، بل بينهما تكامل وتعاون، مشيرًا إلى أن الشريعة الإسلامية لم تكن في يوم من الأيام عائقًا أمام التطور العلمي، بل كانت حافزًا إلى الاكتشاف والابتكار.
جاء ذلك خلال حديثه الرمضاني اليومي، حيث تناول المفتي قضية طالما أُثيرت في الأوساط الفكرية، وهي: هل العلاقة بين الإسلام والعلم علاقة تعارض أم علاقة تكامل؟
النصوص الشرعية والمواقف التاريخية للمسلمين
وأوضح مفتي الجمهورية أن البعض قد يظن بوجود فجوة بين الدين والعلم، وكأنهما مجالان متناقضان، في حين أن النظرة المتأملة في النصوص الشرعية والمواقف التاريخية للمسلمين تؤكد أن الإسلام قد وضع العلم في مرتبة عالية، ودعا إليه منذ أول لحظة، حيث كانت أول آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هي: اقرأ، وهو ما يدل على أن الإسلام بدأ دعوته بالأمر بالعلم والمعرفة.
وأشار إلى أن الإسلام جعل طلب العلم عبادة، ورفع من شأن العلماء، كما في قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة.
وأضاف أن القرآن الكريم لم يكتفِ بالدعوة إلى العلم، بل وجَّه الإنسان إلى النظر والتأمل في آيات الكون، وجعل من البحث في خلق السماوات والأرض وسيلة لتعميق الإيمان بالله، كما في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190].
علماء المسلمين عبر التاريخ
وبيَّن مفتي الجمهورية أن علماء المسلمين عبر التاريخ لم يروا تعارضًا بين الإسلام والعلم، بل كانوا روادًا في مختلف العلوم، فالإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين فرَّق بين العلوم الدينية والطبيعية، واعتبر أنَّ العلوم الطبيعية إذا قُصد بها الخير فإنها من جملة العبادات، كما أكد ابن رشد أن الفلسفة لا تتعارض مع الشريعة، وقال: الحكمة والشريعة أختان، لأن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.
واستعرض، نماذج من علماء المسلمين الذين أسهموا في النهضة العلمية، مثل ابن الهيثم مؤسس علم البصريات وصاحب المنهج التجريبي، والخوارزمي واضع أسس علم الجبر، مؤكدًا أن الإسلام لم يكن عائقًا أمام هذه العلوم، بل كان باعثًا لها.
وفي إجابته عن سؤال حول ما إذا كان هناك تعارض بين الإسلام والاكتشافات العلمية الحديثة، أوضح مفتي الجمهورية أنه يجب التمييز بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية، فالحقيقة العلمية هي ما ثبت بدليل قاطع وتجربة يقينية، وهذه لا يتعارض معها الإسلام، بل نجد إشارات قرآنية توافق كثيرًا منها، مثل ما ورد بشأن مراحل تطور الجنين في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12 - 14].
أما النظريات العلمية، فهي قابلة للتغيير والتبديل، وبالتالي لا يصح أن يُبنى على تعارضها مع النصوص الدينية حكم قاطع، وأشار إلى أن كثيرًا من مظاهر التعارض المزعومة ترجع إلى تفسيرات خاطئة للنصوص، لا إلى النصوص نفسها، فغالبًا ما يكون الإشكال في الفهم البشري وليس في الدين.