تراجع الدولة فى ترتيب «مؤشر الإرهاب العالمى» يعنى انخفاض معدلات العمليات الإرهابية فيها، ما يعنى أننا حققنا، طبقًا لهذا المؤشر، إنجازًا أو تقدمًا كبيرًا، بانتقالنا من المركز ١٣ سنة ٢٠١٤ إلى المركز ٢٩ سنة ٢٠٢٤، غير أن ما يشكك فى هذا الإنجاز، وفى المؤشر كله، هو أنه وضعنا قبل دول شقيقة لا يزال الإرهابيون يرتعون فيها، مثل تونس التى جاءت فى الترتيب ٤٣، وليبيا التى سبقتها بعشرة مراكز!
التقرير، الذى يصدره «معهد الاقتصاد والسلام»، سنويًا، يقوم بتصنيف ١٦٣ دولة، استنادًا إلى عدة مؤشرات فرعية، هى عدد الحوادث الإرهابية، عدد الوفيات التى تسببت فيها تلك الحوادث، وعدد الإصابات، وكذا عدد الرهائن، الذين اختطفتهم جماعات إرهابية، والنسبة التقريبية لإجمالى الأضرار التى لحقت بالممتلكات. وعليه، تكون تلك الأعداد، وهذه النسبة التقريبية، فى ليبيا أقل منها بكثير فى تونس، وبأكثر فى مصر، والأكثر طرافة هو أن إسرائيل وسوريا تقاسمتا الترتيب العاشر بين الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب على مستوى العالم. والأرجح، هو أنك ستضرب كفًا بكف حين تعرف أن التقرير وضع الكويت وموريتانيا والمغرب وقطر والسودان فى خانة واحدة، ومنحها صفرًا!
بعيدًا عن هذا المؤشر، المشكوك فى تصنيفه وأهدافه، نشير إلى أن مصر التى قضت نهائيًا على الإرهاب لم تواجهه فقط، داخل حدودها، بل حرصت على دعم قدرات الدول الإفريقية الشقيقة فى مواجهة تنامى التهديدات الإرهابية، سواء عبر «مركز الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب» الذى تم افتتاحه بالقاهرة، فى نوفمبر ٢٠٢١، أو بإطلاق «شبكة إفريقية لمنع التطرف المؤدى للإرهاب»، بمبادرة من «مركز القاهرة الدولى لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام»، التى تهدف إلى خلق منصة واحدة تجمع كل مراكز ومنظمات ومؤسسات دول القارة العاملة فى هذا المجال، يتم من خلالها تبادل الخبرات، وإقامة الأنشطة والفعاليات، وتطوير الأبحاث والسياسات والأطر المفاهيمية المتعلقة بمواجهة الإرهاب.
المهم، هو أن «معهد الاقتصاد والسلام»، الذى تأسس سنة ٢٠٠٨، يقع مقره الرئيسى فى مدينة سيدنى الأسترالية، ويصف نفسه بأنه مؤسسة فكرية دولية تسعى إلى تعزيز فهم العوامل الثقافية والاقتصادية والسياسية التى تحقق السلام، ويُصدر تقرير «مؤشر السلام العالمى» وسلسلة من «مؤشرات السلام الوطنية»، إضافة إلى تقرير «مؤشر الإرهاب العالمى»، الذى زعم أن الأوضاع تدهورت، خلال سنة ٢٠٢٤، فى ٤٥ دولة وتحسنت فى ٣٤، إضافة إلى ارتفاع معدلات العداء للسامية وكراهية الإسلام دوليًا، وزيادة الهجمات الإرهابية فى الغرب بنسبة ٦٣٪، وارتفاع عدد الحوادث المعادية للسامية بنسبة ٢٠٠٪ فى الولايات المتحدة و... و... ومع كل ذلك زعم التقرير أن أعداد ضحايا العمليات الإرهابية ظلت ثابتة!
بزيادة عدد الوفيات المنسوبة إليها بنسبة ٩٠٪، وصف التقرير حركة «طالبان» الأفغانية بأنها «أسرع الجماعات الإرهابية نموًا». ومن المفاجآت التى حملها التقرير أيضًا زعمه أن تنظيم «داعش»، لا يزال هو التنظيم الأكثر شراسة وفتكًا، وأن أنشطته مستمرة فى ٢٢ دولة، وتسببت هجماته فى مقتل ١٨٠٥ أشخاص، غالبيتهم، أو ٧١٪ منهم، فى سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة، أو لا تكون، إلى أن التقرير قال إن معارضة تركيا لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، المعروفة باسم «قسد»، وتراجع الدعم الأمريكى لهذه القوات خلق ظروفًا يمكن أن يستغلها تنظيم داعش لاستعادة نفوذه!
.. أخيرًا، وبعد الإشارة إلى أن الأمم المتحدة لم تضع إلى الآن تعريفًا للإرهاب نرى أن الإشارة مهمة، أو واجبة إلى أن مصر ومجموعة من الدول متشابهة الفكر كانت قد تقدمت منذ ست سنوات تقريبًا خلال المراجعة الدورية السادسة لاستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بعدد من الاقتراحات والحلول للتوصل إلى توافق حول المقصود بمصطلحى «الإرهاب» و«التطرف العنيف». وحاولت التأكيد، أيضًا، على عدم إمكانية ربط المصطلحين، بأى دين أو جنسية أو إقليم أو ثقافة أو مستوى اجتماعى أو اقتصادى، غير أن ذلك لم يتحقق، بسبب اعتراض عدة دول، يمكنك استنتاج أسمائها ودوافعها.