الثلاثاء 29/أبريل/2025 - 11:39 م 4/29/2025 11:39:50 PM

قال الدكتور حسين حمودة:" تحركت روايات جمال الغيطانى ومجموعاته القصصية فى مجال رحب، واستكشفت مناطق غير مأهولة فى اتجاهات عدة؛ من تناول وقائع تومئ إلى زمن الكتابة ولكنها تنتمى إلى تاريخ مصر الوسيط، وتتمثل لغة مؤرخيه ـ خاصة ابن إياس (مثل "الزينى بركات" و"وقائع شاب عاش منذ ألف عام" وبعض قصص "إتحاف الزمان بحكاية جلبى السلطان".
الدكتور حسين حمودة
وأضاف الدكتور حمودة خلال فعاليات صالون «الدستور الثقافي الأول» والذي يديره المؤرخ والشاعر والناقد شعبان يوسف ومحور الحديث عن الأديب الكبير جمال الغيطاني، في حضور الدكتور محمد الباز رئيس مجلسي إدارة وتحرير جريدة الدستور، والشاعر ابراهيم داود والشاعر إبراهيم عبد الفتاح والكاتبة عزة رياض والإعلامية أميرة بهي الدين والكاتبة الكبيرة سلوى بكر، والدكتور عمرو منير والدكتور أحمد الصغير والنائبة ضحى عاصي والشاعر إبراهيم داود والشاعر إبراهيم عبد الفتاح، والكاتبة هند مختار والعيد من الشخصيات العامة: وبجانب هذه الأعمال تقع "خطط الغيطانى" التى تتمثل "خطط" المقريزى)، إلى المراوحة بين الواقع والكابوس، أو بين الحلم والأسطورة، لتكثيف عالم حافل بأشكال من وطأة رازحة ("وقائع حارة الزعفرانى" ـ وإلى حد ما "الزويل")، إلى تناول عالم الحرب، بما فيه من لحظات استثنائية، تبتعث من الإنسان، وفيه، تجارب كامنة تتوارى فى الحياة المعتادة، كأن لا حضور لها ("أرض أرض"، و"حكايات الغريب"، و"الرفاعى")، إلى التقاط مشاهد متنوعة من الواقع اليومى، المتناثرالمطروح، بمنحى يكشف ما فيه من علاقات لا تخلو من تناقضات، تبلغ حدا مأساويا أحيانا (بعض قصص "ذكر ما جرى" و"ثمار الوقت")، إلى تمثل عناصر تجربة التصوف، بما تحتويه من إشراقات تقفز على قوانين الزمن والمكان والمنطق المعتاد (مثل "كتاب التجليات")، إلى تتبع التوق الإنسانى إلى عالم مراود، يلوح ويختفى، فى منطقة مرواغة، ربما ماثلة ولكن غير مرئية، وربما يرنو إليها الجميع وليس لها من وجود ("شطح المدينة")، إلى تصوير الارتحال المتواصل انصياعا لنداء غامض، لملاحقة أفق يتسع ويتنائى، خارج الجهات، ليحتوى الجهات جميعا، وليشمل الأزمنة والأماكن معا ("هاتف المغيب").
جمال الغيطاني
وتابع حسين حمودة: "الاهتمام بعلاقات الزمن المرجع، بوقائعه وأسمائه، وتشخيص بعض تمثيلاته بلغة فنية موازية، خاصة، ذات طابع "تبعيدى" "تقريبى" فى آن (مثل "حكايات المؤسسة"، و"حكايات الخبيئة")، إلى التعبير ـ بشكل قديم موروث ـ عن تغيرات بعينها، فى فترة مرجعية محددة ـ السبعينيات من القرن العشرين ـ طالت تقريبا كل أحد وكل شيء، انقلبت فيها المعايير واختلت القيم ("رسالة البصائر فى المصائر")، أو التعبير ـ بالشكل الموروث نفسه ـ عن نشدان عشق يكاد يكون كونيا، يقفز على المواضعات والتخوم الفاصلة الحاجزة ("رسالة فى الصبابة والوجد")، إلى استصفاء التجربة، عبر الذاكرة والخبرة، والتوق والحلم، وخلال الزمن الطويل الممتد، لاستخلاص لقطات ومشاهد دالة، يتم إعادة ترتيبها وتبويبها، ثم إدراجها ـ دلاليا ـ فى مسارات مرسومة مقدرة بعينها، لتنتظم فى دوائر ذوات حقول دلالية محددة: تجارب الحب، تجارب الإطلال والمعرفة، تجارب السفر.. إلخ، وغالبيتها يتم استحضارها فى زمن آخر غير زمن الانغماس فيها، وفى سياق آخر غير سياق معايشتها، لإعادة تأملها وتمثلها من جديد، ولإعادة استكشافها واكتشافها مرة، ومرات، أخرى ("دفاتر التدوين").
صالون الدستور الثقافي
وأكمل: "فى هذا العالم المتنوع، الذى يجوب مساحات عدة، بجهات متباينة، ثمة معالم راسخة ثابتة رغم تناميها عبر رحلة جمال الغيطانى: الاهتمام المتصل بوضع الإنسان العربى تحت وطأة سلطة رازحة، مطبقة خانقة، كلية القدرة تقريبا، ممتد ظلها الثقيل عبر أزمنة تاريخية طويلة.. الانتقال من تناول اليومى، التفصيلى، المرتبط بهموم جزئية محددة، فى واقع حافل بالمفارقات والتناقضات، إلى التساؤلات التى لا يتوقف طرحها ـ مع أن، وربما بسبب أن، أغلبها يلوح بلا إجابة ـ حول قضايا كبرى قديمة متجددة، تطال الوجود والزمن والموت، والتوق الإنسانى، الذى لا ينى، إلى التناغم المفتقد مع الطبيعة والكون.. والترحال، بدلالاته ومستوياته المختلفة، بحثا عما يجاوز الحاضر القائم ـ بكل ما يعتوره من معالم الفقد، والظلم، والاغتراب..إلخ ـ إلى المجهول النائى، بكل ما يعد به من اكتمال وتحقق.. الاستناد، فى ذلك كله، إلى لغة أثيرة، مشبعة بذائقة صقلتها معرفة وإلمام واضحين بالتراث العربى القديم.. نبرة الشجن الخفيفة الخفية التى تتخلل النصوص والتى تلوح، لرهافتها، كأنها بلا حضور مادى ملموس.. الحس الحاد بهاجس الزمن الذى يتجلى عبر مستويات شتى، والصلة العميقة بالمكان التى قادت الغيطانى إلى صياغات فريدة. وفى كتابات جمال الغيطانى التى ترامت فى مساحات رحبة؛ أزمنة وأماكن شتى، واقعية أوافتراضية، مستدعاة أومتخيلة، قريبة ونائية، مشهودة أومستشرفة بمنطق التجلى الصوفى.. تظل منطقة "الجمالية"، قريبا من حى "الحسين" القاهرى العتيق، بزمنها المنطوى على أزمنة متراكبة، بمثابة "سرة العالم" ـ بالتعبير الجغرافى القديم: هى الموطن وهى المآل، نقطة البدء ونقطة الوصول، منها ينطلق عالم الغيطانى، وإليها ـ بعد ترحالاته التى تلوح بلا نهاية ـ ينتهى ويؤوب.