مؤكدةً أنها ستستمر فى جهود دعم مسار التسوية والتنسيق مع الأطراف الإقليمية للتوصل إلى اتفاق سلام دائم وشامل بين البلدين، رحبت مصر بتوقيع حكومتى جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية رواندا، على إعلان مبادئ بشأن تحقيق السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية فى منطقة شرق الكونغو. وأكدت الدولة المصرية، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، أمس السبت، أن هذه الخطوة تمثل تقدمًا مشجعًا نحو بناء الثقة وتعزيز فرص تحقيق السلام والاستقرار فى منطقة البحيرات العظمى والقارة الإفريقية إجمالًا.
إعلان المبادئ، الذى جرى توقيعه، أمس الأول الجمعة، بالعاصمة الأمريكية واشنطن، نصّ على استكشاف آلية تنسيق مشتركة للقضاء على الجماعات المسلحة والمنظمات الإجرامية. ولعلك تتذكر أننا كنا قد أوضحنا الإثنين الماضى، أن أزمة منطقة شرق الكونغو، تعود إلى حوالى ثلاثة عقود، وتجدّدت فى بداية السنة الجارية، بهجوم شنّه متمردون تقودهم عرقية «التوتسى» المدعومة من رواندا. وأشرنا إلى أن هذه المنطقة تتناحر فيها أكثر من مائة مجموعة مسلحة مع جيش الدولة الشقيقة، للسيطرة على المناجم الغنية بالكوبالت والليثيوم واليورانيوم والمعادن والثروات الطبيعية الأخرى.
من هذا المنطلق، ثمّنت الدولة المصرية، تعهّد الطرفين، الكونغولى والرواندى، بالعمل الجاد على حل الخلافات، عبر الطرق السلمية، لافتة إلى أن ذلك يسهم فى إنهاء التوترات ويفتح آفاقًا للتعاون والتنمية المشتركة، ويعود بالنفع على شعبى البلدين والمنطقة. وأكد البيان الصادر عن وزارة الخارجية، أو جدّد تأكيد دعم مصر الكامل للجهود الرامية إلى تسوية النزاعات فى القارة الإفريقية، بالطرق السلمية، واحترام مبادئ القانون الدولى، والقانون التأسيسى للاتحاد الإفريقى، لتحقيق وترسيخ الأمن والاستقرار، على المستويين الإقليمى والدولى.
الثابت هو أن مصر حرصت، ولا تزال، على بذل كل الجهود الممكنة، لدعم التهدئة ودفع مسار التسوية، بين البلدين الشقيقين، بتقريب وجهات النظر وتغليب لغة الحوار، وهذا ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال مكالمتين تليفونيتين، أجراهما فى ١٧ و١٩ أبريل الجارى، مع الرئيس الرواندى بول كاجامى، وفيليكس تشيسيكيدى، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما أشار الرئيس، فى هاتين المكالمتين، إلى أن مصر تعمل على تقديم الدعم الكامل لكل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تهدئة الأوضاع فى تلك المنطقة، والتوصل إلى حل سياسى سلمى يستعيد السلم والأمن الإقليميين، ويعود بالنفع على الشعبين الكونغولى والرواندى، ويحقق تطلعاتهما، وتطلعات كل شعوب القارة السمراء إلى الرخاء والازدهار.
السبب الرئيسى لهذه الأزمة، كما سبق أن أشرنا، هو السيطرة على المناجم التى تزوّد كبرى الشركات العالمية بالمعادن اللازمة للصناعات التكنولوجية المتطورة، إذ تنتج الدولة الشقيقة، مثلًا، حوالى ٧٠٪ من الكوبالت، وتشير التقديرات، بشكل عام، إلى أن لديها ما قيمته ٢٤ تريليون دولار من الثروات المعدنية غير المستغلة. ولعلك تتذكر أننا كنا قد أشرنا أيضًا إلى أن البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، رحمه الله، حين زار الدولة الشقيقة، فى فبراير ٢٠٢٣، أدان «الاستغلال» الذى تتعرّض له إفريقيا بسبب «الاستعمار الاقتصادى الذى حلّ مكان الاستعمار السياسى»، وقال مخاطبًا لصوص ثروات القارة السمراء، ومصاصى دماء شعوبها: ارفعوا أيديكم عن جمهورية الكونغو الديمقراطية، ارفعوا أيديكم عن إفريقيا.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تريد وصولًا أكبر إلى المناجم، التى تزعم أن الصين وشركات التعدين التابعة لها، تسيطر عليها. وعليه، لم يكن مفاجئًا أن تعلن رواندا، منذ أيام، عن إجرائها محادثات مع واشنطن بشأن صفقة معادن محتملة. وفى هذا السياق، ربما تكون الإشارة مهمة، أيضًا، إلى أن قادة دول القارة السمراء كانوا قد تعهدوا فى الذكرى الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، الاتحاد الإفريقى لاحقًا، بـ«إنهاء جميع الحروب فى إفريقيا بحلول سنة ٢٠٢٠»، وأطلقوا مبادرة «إسكات البنادق»، غير أن دول القارة لم تتمكن من الالتزام بالإطار الزمنى المحدد لهذه المبادرة، بسبب ممارسات لصوص ثروات الدول، أو مصاصى دماء شعوبها، الذين يعرفهم القاصى والدانى.. والواقف بينهما.