مصر فى حالة عطش للسياسة والكياسة، وبناء سياسى شعبى حقيقى ملموس على الأرض- لا على إعلانات الكبارى والعالم الافتراضى.
نواب يخاطبون الجماهير، يجالسونهم على المقاهى والشوارع والأزقة، وتحت الشجر على وقع أصوات السواقى وماكينات رى الأراضى، نواب يعارضون ولا يكايدون- يشرعون ويدركون ويراقبون، ويتفاعلون ويفعلون.
نواب من لحم ودم يشاركون الناس مشكلاتهم، يشعرون بمعاناتهم، يأكلون الفول والطعمية جنبًا إلى جنب مع الأرانب بالملوخية، ولحم الأوزى والحلو مهلبية- يجالسون الناس، يشاربونهم على المقاهى والمساطب، ولو على سبيل جبر الخواطر.
أقول ذلك بمناسبة حالة الحراك السياسى على خلفية الإعلان عن حزبين سياسيين جديدين نأمل أن نتلافى فيهما أخطاء ما سبق، خاصة أن لدينا ما يقترب من ١٠٠ حزب سياسى نصفهم تقريبًا ليست لديهم مقرات لممارسة النشاط السياسى، ويجدر بنا أن نجمعهم فى حزب واحد ونسميه- حزبنا الله ونعم الوكيل- إلا قليلًا منهم.
نحتاج لنواب يخاطبون العقول وليس البطون- نواب يساعدون الناس فى شراء كيلو لحمة رخيص- بشكل غير مباشر ولا يمنحنى كيلو لحمة مجانى لمدة دورة كاملة، حتى صار الناخبون منقسمين بين ناخبين يأكلون اللحمة من العيد للعيد، وآخرين من دورة انتخابية سابقة إلى دورة انتخابية لاحقة، وتنتهى حالة الكرم من النائب انتظارًا لدورة قادمة، وفى عقبها يتحول من نائب لحماوى كريم وحليم إلى نائب نهباوى عظيم وذميم- مستغلًا الحصانة أخت الحصان، التى يمطيها فى سباق أنانى لاسترداد ما منح من لحوم وزيت وشحوم ومال معلوم.
أعرف مرشحًا سابقًا وزع على الناخبين أقراص فياجرا كنشاط سياسى، وعلى ما يبدو فهم المذكور آفة الذكور فى المجتمع المقهور، وأدرك أن النشاط السياسى الذى لا يسبقه نشاط جنسى لا ينتج أثرًا انتخابيًا، وللأسف قدم المذكور فياجرا مغشوشة لا تنتج أثرًا تنشيطيًا- حتى إن ناخبًا أدركه الفشل عقب عودته من التصويت إلى بيته، وقد تواصل مع أم العيال عقب خروجه من اللجنة الانتخابية منتصب القامة يجرى- ليؤكد لها أن العنتيل قادم، وعقب التجربة المحبطة باغتته بصوتها الزاعق «جاتك وكسة» وبينه وبين نفسه يقول يا رب الوكسة دى تصيب المرشح المتلاعب بمصائر النصف التحتانى للناخبين، وقد كان سعيدًا لأن المرشح الغشاش البكاش قد رسب فى الانتخابات، وتوعده إذا تجرأ وعاود الترشح.
أعرف مرشحًا آخر وزع بسخاء ٢٠٠ جنيه مزورة على الناخبين، ونحمد الله أنه لم ينجح فى الانتخابات لأنه مارس الغش والتزوير على ناخبى دائرته الصغيرهة- فما بالنا فيما لو نجح سيادته.
نحتاج لنموذج النائب سيد جلال الله يرحمه.
حينما فكر سيد جلال فى خوض الانتخابات عن دائرة باب الشعرية بالقاهرة لأول مرة، حمل صندوقًا فى يده ووضع بداخله 5 جنيهات وجاب شوارع دائرته معلنًا فى حملته «من يريد انتخابى عليه أن يضع 5 قروش فى الصندوق». اندهش الناخبون وقتها وعندما علموا أن الخمسة قروش هى لبناء مستشفى باب الشعرية «مستشفى سيد جلال الآن»، ساعدوه وأعطوه أصواتهم وشاركوه الهم العام لأنه كان قريبًا منهم.
نحتاج لنواب يعترضون، يعارضون ولا يكايدون- يقدمون الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة ويستعيدون اهتمام الناس بالسياسة والحياة النيابية، وقد لبست المعارضة طاقية الإخفاء- حتى إن المهندس أحمد قد صار معارضًا فى غياب المعارضة، ولا يغفل بالتأكيد ما قال به فى مواجهة رئيس الحكومة حتى إنك تظن أنه زعيم المعارضة وليس زعيم الأغلبية السابق.
لن تضار بلادنا بأصوات المعارضة، وتضار حتمًا بغيابها، أخشى ما أخشاه أن تخرج التنظيمات المحظورة من بياتها السياسى الاضطرارى لتتمدد فى مساحات شاسعة من الفراغ السياسى.
آمل أن تجرى انتخابات برلمانية شعبية تفرز نوابًا يشاركون فى التشريع لبلد بنيت من جديد وتحتاج لبناء سياسى يتوازى مع البناء التنموى، ومن الأهمية أن ترد الحكومة على تلك الأصوات دون ضجر أو ثمة غضب طالما أنها خالية من الإهانة والمساس بالحياة الشخصية.
عقب ثورة ٣٠ يونيو عاشت مصر حالة من الفراغ البرلمانى ولم تتوقف الحياة ولم نشعر بثمة احتياج للبرلمان، وهى نفس الحالة الآن عقب انتخابه- وكأنه لابس طاقية الإخفاء.