في مشهد يعكس عمق الأزمة بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمستوى السياسي، برزت تطورات خطيرة في ملف العلاقة بين رئيس الشاباك، رونين بار، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
وكشفت وثائق وشهادات حديثة أن رئيس الشاباك أرفق إلى المحكمة المركزية في تل أبيب إفادة سرية مدعومة بأدلة حساسة، تضمنت تفاصيل خطيرة تتعلق بسلوكيات نتنياهو، بما في ذلك طلبه المزعوم لمساعدة الشاباك في التهرب من محاكمته.
معلومات مصنفة
الإفادة السرية التي قدمها رونين بار جاءت مكملة لإفادته العلنية، وحملت بين طياتها معلومات مصنفة تتعلق بتحقيقات قضية «قطر- جيت»، وما كشفته من شبهات تدخلات أجنبية في السياسة الإسرائيلية، فضلًا عن وقائع مثيرة للجدل بشأن مجموعة «بيلد» والاشتباه في تورطها بقضايا أمنية داخلية، إلى جانب اتهامات مباشرة لنتنياهو بمحاولة تفعيل جهاز الشاباك ضد مواطنين إسرائيليين لأغراض سياسية شخصية.
كما تضمن الملف السري روايات عن طلب مباشر من نتنياهو إلى رئيس الشاباك لمساعدته على الإفلات من المثول أمام القضاء.
ورغم جسامة ما ورد في الإفادة، أكدت مصادر قضائية أن الوثيقة لا تحمل قضايا جديدة بقدر ما توسعت في تفصيل معطيات سبق عرضها علنًا.
وفي تطور إضافي يعكس تصعيد الخلافات، أفادت القناة 11 العبرية أن جهاز الشاباك جرى استبعاده عمدًا من اجتماع أمني رفيع المستوى عقد في مكتب رئيس الحكومة لمناقشة التطورات الميدانية في قطاع غزة، بما في ذلك إدارة ملف توزيع المساعدات الإنسانية.
الاجتماع الذي شارك فيه كل من رئيس الموساد ورئيس مجلس الأمن القومي وعدد من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي والوزير بتسلئيل سموتريتش، خلا بشكل لافت من حضور رئيس الشاباك على خلفية مقاطعة سموتريتش الشخصية لرونين بار ورفضه المشاركة في أي جلسة يحضرها رئيس الجهاز الأمني.
هذا الاستبعاد المتعمد، الذي قوبل برفض مكتب رئيس الحكومة التعليق عليه، زاد من تعميق أزمة الثقة وكشف عن شرخ آخذ بالاتساع داخل النخبة السياسية والأمنية الإسرائيلية.
قضية نتنياهو
بالتوازي مع ذلك، برز جدل جديد حول قضية شهادة نتنياهو، إذ كشفت مصادر مقربة من رئيس الحكومة عن محادثات دارت يومي 13 و17 نوفمبر مع رئيس الشاباك، تناولت نقل موقع الشهادة إلى مكان محصن تحت الأرض بدلًا من المحكمة المركزية المكشوفة في القدس.
جرى تداول خمسة مواقع بديلة، بينها اثنان اقترحهما نتنياهو وثلاثة حددها الطاقم الأمني، وتم الاتفاق في نهاية المطاف على عقد الشهادة في الطابق الثاني من المحكمة المركزية بتل أبيب.
مقربو نتنياهو اعتبروا أن هذه الخطوة تثبت عدم اعتراضهم على مبدأ الشهادة بحد ذاته، بل انصب التحفظ على المخاوف الأمنية المرتبطة بإجراء الجلسة في مكان غير محصن.
لكن مصادر أمنية ردت بشدة على هذا التصور، مؤكدة أن الإشكاليات الأمنية أعمق بكثير من مجرد اختيار الموقع.
حادثة انفجار طائرة مسيرة تابعة لحزب الله قرب غرفة نوم نتنياهو في قيساريا فرضت معايير أمنية مشددة تمنع بقاء رئيس الحكومة في مواقع مكشوفة أو ثابتة لفترات زمنية طويلة، في ظل تنامي تهديدات الاستهداف المباشر.
شهادته سرية
الوثيقة التي أرفقها رونين بار ضمن شهادته السرية لم تُكتب في سياق محاكمة نتنياهو، بل جاءت نتيجة مباشرة للحادث الأمني المذكور.
وقد نصت تعليماتها على إبقاء موقع رئيس الحكومة سريًا، ومنع بقائه في مكان ثابت، وضمان تواجده فقط في أماكن محصنة ضد الهجمات الجوية.
هذا السياق الأمني الصارم الذي أملته التطورات الميدانية يدحض المزاعم القائلة بأن الوثيقة تهدف إلى التأثير على مجريات المحاكمة.
وتكشف هذه التطورات عن تصدع خطير داخل المنظومة الإسرائيلية بين أذرعها الأمنية والسياسية، في وقت تتشابك فيه القضايا الجنائية مع الاعتبارات الأمنية، مما ينذر باضطرابات غير مسبوقة.
رونين بار، الذي يُفترض أن يقود جهاز الشاباك بعيدًا عن المناكفات السياسية، يجد نفسه اليوم في قلب صراع مرير قد تكون له انعكاسات مباشرة على الأمن الداخلي وعلى مستقبل بنيامين نتنياهو السياسي.
ومع استمرار انكشاف خيوط هذه المواجهة الحساسة، يبدو أن إسرائيل تدخل مرحلة مفتوحة على كل الاحتمالات، حيث تتداخل السياسة مع الأمن في مشهد بالغ التعقيد.
