تلقيت خلال الأيام الماضية عدة رسائل من المصريين العاملين فى دولة الإمارات العربية المتحدة، حول تعطيل مبادرة استيراد السيارات من الخارج. وأكدت الشكاوى أن هناك الكثيرين من المغتربين حوّلوا أموال الودائع المطلوبة بالدولار، وتكدست السيارات فى الموانئ المصرية ولم تصدر لها حتى الآن البطاقات الاستيرادية المطلوبة. وأشارت الرسائل إلى توقف التطبيق الذى ينظم هذا الأمر.
لقد تعثرت هذه المبادرة التى أطلقتها الحكومة بهدف تسهيل إدخال سياراتهم الشخصية إلى البلاد مقابل وديعة بالعملة الأجنبية تسترد بعد فترة، ما أثار استياءً واسعًا بين المستفيدين.وفى بدايتها لاقت المبادرة ترحيبًا واسعًا من المصريين المقيمين خارج البلاد، الذين رأوا فيها فرصة لتوفير مبالغ كبيرة مقارنة بأسعار السيارات فى السوق المحلية المرتفعة، بالإضافة إلى إمكانية استرداد قيمة الوديعة بالكامل بعد خمس سنوات بالعملة الأجنبية نفسها، وهو ما بدا كحافز آمن وجذاب، إلا أنه سرعان ما بدأت تظهر العقبات والتحديات التى قوضت من جاذبية المبادرة وحولتها إلى مصدر قلق وإحباط للكثيرين.
لقد واجه الراغبون فى الاستفادة من المبادرة تعقيدات إجرائية وبيروقراطية أدت إلى تأخيرات طويلة فى عملية الموافقة على طلباتهم وشحن سياراتهم، حيث اشتكى العديد من المصريين فى الخارج من طول الإجراءات وتعدد الجهات الحكومية التى يتعين عليهم التعامل معها، وعدم وضوح بعض الشروط والمتطلبات، ما زاد من أعبائهم المالية والنفسية.
فتحويل المبالغ المطلوبة كوديعة، وتوثيق الأوراق والمستندات المطلوبة من الخارج، ثم متابعة الإجراءات فى مصر، كل ذلك استغرق وقتًا وجهدًا كبيرين، وفى كثير من الحالات وجد المستفيدون أنفسهم عالقين فى دوامة من الإجراءات الروتينية التى لم تكن بالسهولة واليسر المتوقعين.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تفاقمت الأزمة مع التغيرات المتلاحقة فى اللوائح والقوانين المنظمة للمبادرة، ففى بعض الحالات، فوجئ المستفيدون بفرض رسوم أو ضرائب إضافية لم تكن واضحة فى البداية، أو بتعديل فى شروط الاسترداد، ما زاد من حالة الغضب، خاصة الذين سددوا المطلوب منهم وتم تعليق الموافقة الاستيرادية رغم وجود السيارات فى الموانئ المصرية.
هذه التغييرات المفاجئة قد تقوض الثقة فى التزام الحكومة بالشروط الأصلية للمبادرة، كما أن القيود المفروضة على أنواع وموديلات السيارات المسموح باستيرادها التى استهدفت فى الغالب السيارات ذات المواصفات الاقتصادية والمتوسطة، لم تُلبّ تطلعات الكثير من المصريين فى الخارج الذين كانوا يرغبون فى استيراد سيارات ذات فئات أعلى أو موديلات أحدث. هذه القيود قللت من جاذبية المبادرة لشريحة معينة من المصريين الذين كانوا على استعداد للاستفادة منها لو كانت الشروط أكثر مرونة وتنوعًا.
وبالإضافة إلى ذلك، زيادة تكاليف الشحن والتأمين والجمارك بشكل كبير قللت من الجدوى الاقتصادية للمبادرة، فالمبالغ التى كان من المفترض توفيرها من خلال الاستيراد من الخارج تآكلت بسبب هذه التكاليف المتزايدة، وأصبح الفرق بين أسعار السيارات المستوردة وتلك الموجودة فى السوق المحلية أقل بكثير مما كان متوقعًا. وفى بعض الحالات لم يعد هناك أى فرق يُذكر. إن أزمة مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج لا بد أن تجد حلًا سريعًا من وزارتى المالية والاتصالات فى أسرع وقت، لتنفيذ الإجراءات والالتزام بالشروط المعلنة فى المبادرة، التى تستهدف جذب استثمارات أو تسهيلات للمصريين فى الخارج. فالثقة هى أساس أى تعاملات اقتصادية، وعندما تتآكل هذه الثقة بسبب التغيرات المفاجئة أو الإجراءات المعقدة، فإن النتائج غالبًا ما تكون عكسية وتؤدى إلى إحجام المستهدفين عن الاستفادة من المبادرة، وبالتالى فشلها فى تحقيق الأهداف المرجوة.
إن معالجة هذه الأزمة تتطلب مراجعة شاملة للإجراءات، وتقديم حلول عملية للمستفيدين المتضررين، واستعادة الثقة من خلال التواصل الشفاف والالتزام بالوعود. وفى النهاية أطالب الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، بسرعة البت فى هذه الأزمة حتى لا نفقد عائدًا دولاريًا مهمًا تحتاجه البلاد بفارغ الصبر.