أخبار عاجلة
أسعار الدواجن والبيض اليوم الإثنين -

أمير المدائن.. حكيم المسلمين - نجوم مصر

أمير المدائن.. حكيم المسلمين - نجوم مصر
أمير
      المدائن..
      حكيم
      المسلمين - نجوم مصر

برزت أدوار سلمان الفارسى على مسرح الإسلام سنة ٥ هجرية، وبالتالى فهو لم يماثل غيره من الصحابة الذين سبقوه إلى الإسلام، وقضوا فى كنف الرسول، عليه الصلاة والسلام، ما يزيد على ٢٠ عامًا، ست سنوات فقط قضاها «سلمان» مع النبى الذى توفى سنة ١١ هجرية، ورغم قصر المدة إلا أنه نال مكانة كبيرة لديه لم ينلها كثير ممن سبقوه إلى الإيمان، فيكفيه شرفًا أن نسبه النبى إلى أهل البيت: «سلمان منا أهل البيت». تمتع «سلمان» برؤية إيمانية عميقة، تفاعلت مع ثقافة رفيعة نالها فى بلاده وتجربة عريضة وخبرات متنوعة اكتسبها بسبب أسفاره، وانفعلت بعقل يسعى باستمرار إلى البحث عن الحقيقة، ويعرف كيف يصل إليها.

شهد النبى، صلى الله عليه وسلم، لسلمان بالعلم والمعرفة، وثمة مواقف عديدة فى السيرة تدلل على ذلك. من هذه المواقف ما حدث مع أبى الدرداء حين نزل عليه سلمان، وكان أبوالدرداء إذا أراد أن يصلى منعه سلمان وإذا أراد أن يصوم منعه، فقال: أتمنعنى أن أصوم لربى وأصلى لربى؟ فقال: إن لعينك عليك حقًا وإن لأهلك عليك حقًا، فصم وأفطر وصل ونم، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد أشبع سلمان علمًا. لقد امتلك «سلمان» الحكمة التى جعلت النبى، صلى الله عليه وسلم، يصفه قائلًا: «لقد أشبع علمًا»، فقد كان ملتصقًا برسول الله منذ إسلامه يمتص منه رحيق المعرفة ويتعلم منه، ما مكنه من حسن التفكير وعمق النظر، لقد أدرك أن التوازن أصل الإيمان، خصوصًا التوازن فى العبادات، إعمالًا لقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «روّحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت». وقد سُئل على بن أبى طالب عن سلمان الفارسى فقال: ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، علم العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول وقرأ الكتاب الآخر، وكان بحرًا لا ينزف.

لك أن تتصور حجم ما تمتع به «سلمان» من علم وحكمة بحيث يصفه صحابى بقيمة وقامة على بن أبى طالب وما امتلكه من عقل وفقه بمثل الوصف السابق. وتستطيع أن تستخلص ذلك من مراجعة بعض أقوال سلمان ونصائحه لمن حوله، مثل النصيحة التى يقول فيها: «إن استطعت أن تأكل من تراب فكل منه ولا تكونن أميرًا على اثنين، واتق دعوة المظلوم المضطر فإنها لا تحجب». لقد خاض «سلمان» تجربة الإمارة، حين أصبح أميرًا على المدائن، فانظر منسوب المسئولية الذى تمتع به وهو يحذّر من أن يكون المرء أميرًا على اثنين، فمسئولية الأمير كبيرة عن رعيته، وحسابه عسير سواء أمام الرعية فى الدنيا أو أمام الله فى الآخرة، لذلك كان تحذيره من التورط فى فخ الإمارة، حتى ولو اضطر الفرد إلى أن يأكل من تراب الأرض، فهذا أهون عليه من الحساب على الإمارة. فماذا إذا ظلم من تُوّج بتاج الإمارة ودعا عليه هذا المظلوم المضطر دعوة تصعد إلى خالق السماوات والأرض دون حجاب؟. ويحكى «ابن سعد» فى «طبقاته» أنه «عندما كان سلمان أميرًا على المدائن كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال خشعت لله».

ثم انظر بعد ذلك فى الوصف الذى قدمه سلمان لما يكرهه فى الإمارة، فقد قيل لسلمان الفارسى: ما يكرهك الإمارة؟ قال: حلاوة رضاعتها ومرارة فطامها. لا تجد وصفًا أروع أو أبدع من هذا الوصف لمن يدخل من باب الإمارة ثم يخرج منه، فمن يجلس على كرسى السلطة، أيًا كانت هذه السلطة، عادة ما يستمرئ حلاوته ويتعود عليه، كيف لا وهو يجد الجميع يخضع له ويسمع له وينفذ ما يأمر به ويتقرب إليه ويخشاه، ويظل هكذا يرضع من حلاوة المثول على مسرح السلطة حتى يأذن الله له بالخروج من باب الإمارة، لحظتها تميد الأرض من تحته وتزل قدم بعد ثبوتها، فليس من السهل عليه أن يفطم نفسه عنها ويبتعد عن الرضاعة من متعها، إنه يشعر بالمرارة التى يشعر بها الطفل الذى يجبره الفطام على التوقف عن الرضاعة من ثدى أمه ليأكل مثلما يأكل الجميع. لا تجد تشبيهًا أبلغ من هذا التشبيه لعملية الدخول إلى السلطة والخروج منها.

ثم انظر كيف شبّه المؤمن فى الدنيا، يقول سلمان: «إنما مثل المؤمن فى الدنيا كمثل المريض معه طبيبه الذى يعلم داءه ودواءه فإذا اشتهى ما يضره منعه، وقال: لا تقربه، فإنك إن أتيته أهلكك، فلا يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه، وكذلك المؤمن يشتهى أشياء كثيرة مما قد فضل به غيره من العيش فيمنعه الله، عز وجل، إياه، ويحجزه حتى يتوفاه، فيدخله الجنة». لقد أراد سلمان أن يقول إن الحرمان فى الدنيا قد يكون للصحة الإيمانية للفرد، والامتناع عما حرم الله هو السبيل الأمثل للنجاة. وكان رضى الله عنه يقول أيضًا: ثلاث أعجبننى حتى أضحكننى: مؤمل دنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه لا يدرى أساخط رب العالمين عليه أم راضٍ عنه. وثلاث أحزننى حتى أبكيننى: فراق محمد وحزبه، وهول المطلع، والوقوف بين يدى الله. 

عاصر سلمان خلافة أبى بكر وعمر وتوفى فى خلافة عثمان بن عفان، وقد دخل عليه سعد بن أبى وقاص فى مرضه الأخير- كما يحكى «ابن سعد» فى «طبقاته»- يعوده، قال: فبكى سلمان، فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبدالله، توفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو عنك راضٍ وتلقى أصحابك وترد عليه الحوض؟ قال سلمان: والله ما أبكى جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا، ولكن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عهد إلينا عهدًا فقال: لتكن بلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب وحولى هذه الأساود، قال: وإنما حوله جفنة أو مطهرة، فقال له سعد: يا أبا عبدالله اعهد إلينا بعدك، فقال: يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت.

رضى الله عن الفارسى النبيل الذى نال شرف الانتساب إلى أهل بيت النبى، صلى الله عليه وسلم.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رئيس وزراء الاحتلال: فصل كل من يشجع على رفض الخدمة العسكرية فورًا - نجوم مصر
التالى ثروة محمد صلاح تلامس الـ68 مليون جنيه إسترلينى بعد تجدبد عقده مع ليفربول - نجوم مصر