
أكد اللواء محمد عبدالمقصود - مساعد الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء، رئيس اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث، أنهم حريصون فى إدارة الأزمات والكوارث على تحقيق مستهدفات الأمن القومي والحفاظ على الأرواح والممتلكات، من خلال بناء منظومة متكاملة، تضم ممثلين من جميع جهات الدولة، سواء كانت وزارات أو محافظات أو منظمات مجتمع مدني أو قطاع خاص.
ويواصل "عبدالمقصود" حديثه خلال حوار مطول أجرته معه الدستور للوقوف على كيفية إدارة الدولة للأزمات فى ظل التوترات التي تشهدها المنطقة، وإلى نص الحلقة الثانية من الحوار:
- هل هناك رابط بين المشاكل الداخلية والخارجية؟
جزء كبير من مشاكلنا الداخلية يكون منبعها من الخارج، بالتالي هذا يتطلب منا كإدارة أزمات وكوارث ألا نعمل فقط على التعامل مع الأزمات التي يمكن أن نتعرض لها داخليا، وإنما هناك جزء منها يكون مصدره من الخارج، بالتالي مهم جدا أن ننظر له ونعمل على بحثه والتعامل معه كأحد مصادر التهديد التي يمكن أن يتعرض لها الأمن القومي المصري.
- وكيف نواجه ذلك؟
حينما نتحدث عن أمن قومي نتحدث عن تأمين كيان الدولة ضد أي مخاطر أو تهديدات سواء داخلية أو خارجية، وهنا يتطلب استعدادا وجاهزية للمجتمعات المحلية لمواجهة هذه المخاطر والتهديدات، والبداية تكون بالتوعية بطبيعة المخاطر والتحديات والتهديدات التي يمكن أن نتعرض لها ومن ثم التنسيق مع الجهات الداخلية لمعرفة كيفية التعامل معها حال حدوثها لا قدر الله.
على سبيل المثال، خلال الفترة الأخيرة كان هناك العديد من الكوارث العالمية على رأسها كارثة أو جائحة كوفيد 19، جائحة جاءت الينا من الخارج وتضررت منها كل دول العالم، ومصر كانت حريصة على الاستعداد للتعامل المبكر معها، بالتالي نجحت في التخفيف من حدة آثارها.
- هل تقصد عملية استشراف المستقبل التي أشرتم لها مسبقا؟
ربما استشراف المستقبل يعتمد على أدوات أخرى مرتبطة إما بطبيعة الدراسة والتحديات، وإما من خلال أدوات تكنولوجية حديثة نستطيع أن نعتمد عليها فى الاستعداد لـ والتعامل مع مثل هذه المخاطر.
فعلى سبيل المثال فى بداية أزمة كوفيد – 19، كان هناك استشراف لامكانية حدوث الأزمة نتيجة وجود بعض الدراسات والتقارير التي تحدثت عن بدء ظهور وباء فى الصين، وكان تقريبا فى شهر نوفمبر 2019، بدأنا فورا الاستعداد برفع مذكرة للقيادة السياسية بأن هذا وباء عالمي وقد ينتشر فى كل دول العالم، وبالتالي كان هناك مخاطر إنه ينتشر، بالتالي بدأنا الاستعداد للتعامل مع هذا الوباء حال خروجه لمصر، هنا يظهر الاستشراف، والأهم أن تبدأ فورا الجاهزية والاستعداد بالفعل على الأرض للتعامل مع مثل هذه المخاطر.
والحقيقة أن هناك جزءا مهما فى هذا النشاط يرتبط بطبيعة المعلومات التى تتوفر لدى إدارة الأزمات والكوارث، وهنا لا أتحدث عن أخبار، أتحدث عن معلومات يتم تدقيقها والتحقق منها وعمل اجراءات التصنيف اللازمة إلى أن أرتقى بها لمستوى المعلومة، ثم أعد فى ضوئها مذكرات للعرض على رئيس مجلس الوزراء.
وعندما أعددنا المذكرة فى نوفمبر 2019، طلبنا أن يكون هناك إعداد لخطة قومية لمواجهة وباء كورونا، وبالفعل قمنا بعمل اجتماعات للجنة التنسيقية لادارة الأزمات والكوارث تضم ممثلين من جهات متعددة، منها جهات سيادية فى الدولة وأطلعناهم على المعلومات المتوفرة لدينا، حول إمكانية ظهور وباء كورونا وانتشاره على مستوى العالم، وضرورة أن نستعد للمرحلة المقبلة لمواجهة هذا الخطر، وبدء الاستعداد كان بإحكام السيطرة على المنافذ سواء مطارات أو منافذ بحرية أو برية، لترصد حالات الأوبئة التي يمكن أن تصل إلى البلاد من الخارج، وهذا ساعدنى فى القدرة على الاستعداد بشكل مبكر والتقليل من معدلات تصاعد الأزمة، وهو دور أساسي للمعلومات، ونتذكر جيدا أننا وصلنا لـ 14 فبراير 2020، دون أن نرصد أي حالات للوباء فى مصر، رغم انه كان منتشر فى العديد من دول العالم.
- ماذا استفدتم من التعامل مع تجربة جائحة كورونا؟
الحقيقة أن هذا ينقلنا لنقطة مهمة وهي فكرة إعداد الخطط، خلفك فى مكتبي كما ترى لدينا حاليا 5 استيراتيجيات، وما يقرب من حوالي 18 خطة قومية فى كل المجالات، وهذه الخطط تم إعدادها على أساس يكون هناك اطلاع لكل جهات الدولة على طبيعة المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها الدولة، واستعدادهم للمواجهة ودورهم فى حلقة المواجهة، بمعنى أننا نعد الخطة ثم نشرك معنا الوزارات لإبداء الرأي بشأنها والتأكد من الأدوار الموكلة لهم فى الخطة ومدى موائمتها مع الالتزامات الخاصة بهم، حتى يعلم كل منهم دوره فى توقيت الأزمة، حال حدوثها يقوم بإخراج الخطة من الدرج لتنفيذ الجزء الخاص به، لكل دوره معروف ومصدق عليه.
- حدثنا عن ألية مواجهة سقوط الأمطار والسيول الغزيرة؟
عنصر التنبؤ واستشراف المستقبل الذي تحدثنا عنه مسبقا، يكون من خلال أدوات تكنولوجية يمكن الاعتماد عليها، على سبيل المثال الأمطار والسيول الغزيرة، قبل سقوط الأمطار بثلاثة أيام تكون لدي معلومات بذلك وحجم معدلاتها بالتقريب وأماكن سقوطها، وعليه أقوم بتبليغ المحافظات المتوقع سقوط أمطار بها للاستعداد والجاهزية قبلها بـ 72 ساعة بالتالي تبدأ عملية نشر الوحدات الخاصة بعملية التعامل والمواجهة على الأرض قبل سقوط الأمطار بـ 24 ساعة على الأقل، وعلى إثره بمجرد سقوط الأمطار تكون هناك قدرة على مواجهتها والتعامل معها بأقل قدر ممكن من الخسائر.
- متى بدأنا نتعامل بهذا الشكل فى مواجهة الأمطار والسيول الغزيرة؟
غالبا لم يكن التعامل قبل 2011 بهذا الشكل، وبالتالي كانت تحدث عندنا خسائر كبيرة نتيجة لهذه الأحداث، ونتذكر أكبر كارثة حدثت عندنا بسبب تغير المناخ كانت فى مارس 2020، شهدت سقوط كميات كبيرة جدا من الأمطار والسيول، تقريبا 240 مللي فى اليوم الواحد والحقيقة أنه حجم كبير جدا لم نشهده منذ خمسين عاما، بالتالي بدأنا ندرك أنه لابد من التعامل مع عدة تحديات رئيسية تواجهنا، الأول توفير عنصر الإنذار المبكر للجهات العاملة على الأرض، والثاني هو المناطق التي يمكن أن تكون شبكات الصرف بها غير قادرة على تحمل الكميات الكبيرة التي تسقط عليها، ومن هنا نعمل على تقليل التحرك فى الطرق والمحاور المرورية قدر الإمكان وكنا نطلب فى بعض الأحيان من رئيس الوزراء منح إجازة لطلبة المدارس والموظفين فى هذا التوقيت، حتى نمنح الفرصة للجهات التي تتعامل على الأرض أن تعمل وتتحرك بحرية، وفى نفس الوقت تقليل تعرض المواطنين للمخاطر وهذا هو جوهر الإدارة.
وعلينا أن نعي أن شبكات الصرف فى المدن القديمة مصممة لاستيعاب أعداد أقل بكثير من الموجودة عليها حاليا، وبالتالي استهلاكك للمياه كبير والصرف كذلك، ونزول كميات كبيرة من الأمطار يؤدى لامتلاء المصارف بالتالي عدم القدرة على تحمل، وهنا تنتج عملية السيول والجريان المائي على الأرض نتيجة عدم استيعاب شبكات الصرف لها، ومن ثم تتجمع المياه فى المناطق المنخفضة، وهنا بدأنا عمل دراسة للمناطق التي يحدث فيها تجمع للمياه، وتم إعدادها بالطبع بعد 2020، نتيجة الخبرات المكتسبة من مواجهة الأزمة سالفة الذكر، ولأن السيارات لن تتمكن من التخلص من كل هذه الكميات خصوصا فى المناطق الساخنة، بدأنا تنفيذ إجراء نحول بها دون تكرار حدوث تجمع للمياه فى مناطق معينة، وهو شغلنا بعد الأزمة، نجري دراسات لمثل هذه الأزمات وكيفية العمل على تلافيها فى المستقبل.
وبالفعل قمنا بإعداد دراسة لكل النقاط الساخنة وبدأنا نجتمع مع المسؤلين فى وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، لأن معظم هذه المناطق كانت فى التجمع الخامس وبعض المناطق التابعة للمجتمعات العمرانية الجديدة، وبدأنا نطلب منهم أفكار خارج الصندوق، والحقيقة مشكورين نجحوا فى عمل عدد من الأنشطة كان منها عمل خزانات مياه تحت الأرض لتجميع المياه والاستفادة من خلال الشحن الجوفي، وبذلك تكون مخزنة ويمكن الاستفادة منها، أيضا من بين الأنشطة التي ابتكرها مسئولو وزارة الإسكان، الشروع فى عمل حدائق صناعية متدرجة تستخدم فيها عملية تجميع المياه لامكانية الحصول عليها من مكان معين تتجمع فيه، وهذه الأنشطة تم تنفيذها لتقليل حجم المعاناة التي كان يتعرض لها المواطن نتيجة تساقط كميات كبيرة من الأمطار.
التخطيط الاستيراتيجي يعتمد بشكل أساسي على إعداد خطط واستيراتيجيات، لكن هذه الخطط والاستيراتيجيات تكون على مستوى كبير، بينما المحافظات على المستوى المحلي يحتاج لشىء أقل من المستوي القومي، بالتالي نقوم بعمل أدلة استرشادية لهم، وهذه الأدلة تحدد بشكل واضح دور كل مديرية فى المحافظة توقيت الأزمة وكيفية التعامل معها، بالتالي تكون القدرة على مواجهة هذه الأزمة حال حدوثها من خلال آليات يتم اتباعها وتوقيتات للتدخل فى الدليل الاسترشادي، وأعددنا كذا دليل استرشادي وزعناها على كل المحافظات، والهدف منه معرفة كيف تتصرف فى حالة السيول وفى حالة الزلازل لا قدر الله.





