أثارت الرسوم الجمركية التى أعلن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، مساء أمس الأول، عن فرضها على العديد من دول العالم، موجة غضب عالمية عارمة، وسط تحذيرات من تبعاتها وتأثيراتها السلبية الكبيرة على الاقتصاد العالمى، وصولًا إلى إشعال «حرب تجارية واقتصادية عالمية». وترتفع الرسوم الجمركية على الصين، أكبر مصدر للسلع فى العالم، إلى أكثر من ٥٤٪، بعد أن فرض «ترامب» رسومًا جمركية إضافية بنسبة ٣٤٪، بالإضافة إلى رسوم بنسبة ٢٠٪ فرضها على بكين هذا العام. بينما يواجه الاتحاد الأوروبى رسومًا جمركية إجمالية تصل إلى ٢٠٪، واليابان ٢٤٪، والمملكة المتحدة ١٠٪.
ووفقًا للقرار المعلن من الرئيس الأمريكى، يبدأ تنفيذ «الرسوم الجمركية الشاملة»، بداية من اليوم ٤ أبريل الجارى، على أن تدخل «الرسوم الجمركية المتبادلة» حيز التنفيذ، الأربعاء المقبل ٩ أبريل الجارى.
أوروبا
حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، من أن الرسوم الجمركية توجه «ضربة قوية» للاقتصاد العالمى، مؤكدة أن «الاتحاد الأوروبى يجهز إجراءات مضادة».
ووصف المستشار الألمانى، أولاف شولتس، قرارات «ترامب» بأنها «خاطئة بشكل أساسى»، معتبرًا أنها تمثل «هجومًا على نظام تجارى أسهم فى تحقيق الازدهار بجميع أنحاء العالم»، وواعدًا بأن «أوروبا سترد بطريقة موحدة وقوية ومناسبة».
وأضاف «شولتس»: «الاتحاد الأوروبى سيتخذ ردًا قويًا لكن متناسبًا، فى حال عدم التوصل إلى حل عبر المفاوضات»، معتبرًا أن «السوق الأوروبية الموحدة، التى تضم ٤٥٠ مليون مستهلك، تمنح الاتحاد القدرة على التفاوض مع واشنطن لتجنب تصعيد تجارى».
وأتم المستشار الألمانى بقوله: «نريد التعاون وليس المواجهة، لكننا سندافع عن مصالحنا. أوروبا سترد بشكل موحد قوى ومتوازن على هذا القرار».
ووصف وزير الاقتصاد الإسبانى، كارلوس كويربو، التوصل إلى حل تفاوضى مع الولايات المتحدة بأنه ضرورى لرابع أكبر اقتصاد فى منطقة «اليورو»، قبل أن يضيف: «لكن إسبانيا مستعدة لاتخاذ خطوات لحماية شركاتها وصناعاتها».
وأضاف «كويربو»: «بعد فرض رسوم جمركية بنسبة ٢٠٪ على الاتحاد الأوروبى، تجب حماية العلاقة التجارية والاقتصادية بالغة الأهمية بين أكبر شريكين فى العالم».
أما رئيس الوزراء البريطانى، كير ستارمر، فقال إن حكومة المملكة المتحدة سترد «بهدوء ورصانة» على فرض رسوم جمركية بنسبة ١٠٪ على الواردات من بريطانيا.
وأضاف «ستارمر» لقادة الأعمال المجتمعين: «من الواضح أن هناك تأثيرًا اقتصاديًا، لكننى ما زلت آمل فى رفع الرسوم الجمركية من خلال اتفاقية تجارية مع واشنطن».
وواصل رئيس الوزراء البريطانى: «المفاوضات بشأن اتفاقية ازدهار اقتصادى مستمرة، وسنناضل من أجل أفضل صفقة لبريطانيا»، محذرًا من أنه «لا أحد ينتصر فى حرب تجارية، وهذا ليس فى مصلحة بريطانيا الوطنية».
الصين
رأى قوه جيا كون، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، أنه «لا رابح فى الحروب التجارية وحروب الرسوم الجمركية»، مشددًا على أن «السياسات الحمائية ليست مخرجًا». ودعا متحدث الخارجية الصينية الولايات المتحدة إلى «تصحيح ممارساتها الخاطئة، وحل النزاعات التجارية مع جميع الدول، بما فيها الصين، من خلال المشاورات القائمة على المساواة والاحترام والمنفعة المتبادلين». وأضاف «كون»: «الرسوم الجمركية تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية، وتضر بالمصالح المشتركة لشعوب جميع الدول، ولا تساعد فى حل مشاكل الولايات المتحدة نفسها».
اليابان
أعرب رئيس الوزراء اليابانى، شيجيرو إيشيبا، عن أسفه لقرار «ترامب»، قائلًا: «من المؤسف للغاية أن تفرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية بنسبة ٢٥٪ على واردات السيارات اليابانية، على الرغم من مساهمتها الكبيرة فى الاقتصاد الأمريكى».
وأضاف «إيشيبا»، فى تصريحات نقلتها وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية: «الشركات اليابانية، خاصة شركات صناعة السيارات، تعد أكبر مستثمر عالمى فى الولايات المتحدة منذ عام ٢٠١٩، ما يوفر فرص عمل لملايين الأمريكيين».
وواصل: «اليابان ستواصل مطالبة الولايات المتحدة بشدة بإعادة النظر فى إجراءاتها الجمركية»، مؤكدًا أنه سيتفاوض مباشرة مع «ترامب»، متى رأى ذلك مناسبًا.
تايوان
ردت تايوان على فرض «ترامب» رسومًا جمركية بنسبة ٣٢٪ على وارداتها، واصفة إياها بأنها «غير معقولة إطلاقًا ومؤسفة للغاية»، وواعدة بتقديم «احتجاج رسمى» إلى الولايات المتحدة.
وقال المتحدث باسم مجلس الوزراء التايوانى، لى هوى تشيه، فى بيان رسمى: «الرسوم الجمركية المقترحة لا تعكس الوضع الاقتصادى والتجارى الفعلى بين تايوان والولايات المتحدة، وهى مجحفة بحق تايوان».
وأضاف «تشيه»: «طريقة حساب الرسوم غير علمية وغير واضحة، ولا تعكس الدرجة العالية من التكامل فى هيكل التجارة بين تايوان والولايات المتحدة، ولا العلاقة التجارية الفعلية».
بينما أكدت رئيسة الوزراء التايلاندية استعداد بلادها للتفاوض مع الولايات المتحدة لـ«إيجاد توازن تجارى عادل لكلا البلدين».
كوريا الجنوبية
دعا القائم بأعمال رئيس كوريا الجنوبية إلى اتخاذ إجراءات طارئة وسريعة لدعم صناعة السيارات، وغيرها من الشركات التى يحتمل تأثرها بالرسوم الجمركية الجديدة التى فرضتها إدارة دونالد ترامب، متعهدًا ببذل جهود حكومية كاملة لمعالجة «حرب رسوم جمركية عالمية» وشيكة.
فيجى
انتقد نائب رئيس وزراء فيجى، بيمان براساد، الرسوم الجمركية البالغة ٣٢٪ المعلنة على صادرات دولة فيجى الصغيرة إلى الولايات المتحدة، واصفًا إياها بأنها «غير متناسبة» و«غير عادلة».
انهيار البورصات الكبرى.. وارتفاع الذهب إلى مستوى قياسى
علقت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية على قرارات «ترامب»، قائلة إن «الرئيس الأمريكى صعّد من حربه التجارية العالمية بفرض رسوم جمركية شاملة على العديد من الدول، ليشن بذلك هجومًا على النظام التجارى العالمى، فى خطوة أثارت قلق الأسواق المالية وعمّقت المخاوف بشأن سلامة الاقتصاد العالمى». ونبهت «فاينانشيال تايمز» إلى انخفاض مؤشر «ستوكس أوروبا ٦٠٠» بنسبة ١.٦٪، فى التعاملات المبكرة أمس الخميس، إلى جانب انخفاض العقود الآجلة للأسهم الأمريكية، بداية من العقود التى تتبع مؤشر «ستاندرد آند بورز ٥٠٠»، التى انخفضت بنسبة ٢.٨٪، مقابل انخفاض عقود مؤشر «ناسداك ١٠٠»، الذى يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، بنسبة ٣.٢٪.
وانخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز ٥٠٠» بالفعل بنسبة ٥٪ تقريبًا، فى الأشهر الثلاثة الأولى من العام، وسط مخاوف من أن رسوم «ترامب» الجمركية ستؤدى إلى إبطاء النمو الاقتصادى، وتسبب موجة جديدة من ارتفاع التضخم.
فى المقابل، ارتفع سعر الذهب إلى مستوى قياسى جديد بلغ ٣١٥٠ دولارًا للأونصة. كما ارتفعت سندات الحكومة الأمريكية واليابانية، مع توافد المستثمرين على أصول الملاذ الآمن.
من جهتها، رأت شبكة «سى إن إن» الأمريكية أن دونالد ترامب قام بـ«أكبر مقامرة سياسية على الاقتصاد الأمريكى»، مقارنة بأى رئيس معاصر، مضيفة: «الرؤساء عادة يسعون إلى بذل كل ما فى وسعهم لتجنب زعزعة استقرار الاقتصاد العالمى، خاصة إذا كانت البطالة منخفضة والنمو يتسارع، لكن الرئيس لم يفعل ذلك».
وواصلت الشبكة الأمريكية: «فرض ترامب المفاجئ الرسوم الجمركية الجديدة على جميع الواردات تقريبًا من ١٨٥ دولة، أحدث صدمة استثنائية، ويخالف نصائح كل خبير اقتصادى تقريبًا، ودروس بعض من أسوأ محطات التاريخ».
وأكملت: «ترامب جعل السلع المستوردة غير قادرة على المنافسة لتعزيز الإنتاج المحلى، لكن الحروب التجارية غالبًا ما تنتهى بشكل سيئ»، منبهة بأن «الرسوم الجمركية كانت سمة من سمات القرن التاسع عشر، أكثر منها سمة من سمات القرن الحادى والعشرين». وتابعت: «شهد العالم رئيسًا متهورًا فى دائرة الضوء الوحيدة التى يعشقها، يخاطر بالمصائر الاقتصادية لمليارات البشر برهان سياسى غريب»، محذرة من أن «ترامب على وشك إلحاق ضرر حقيقى بالأمريكيين».
وشددت على أن «الفقراء فى أمريكا سيتضررون أكثر من أصدقاء ترامب الأثرياء، وكذلك الذين يعيشون على دخل ثابت، فضلًا عن تدهور حسابات التقاعد (المعاشات)». وحذرت من أن «العالم أصبح مهيئًا لحرب تجارية شاملة، مع خضوع القادة الأجانب لعوامل سياسية وضغوط شديدة للرد على الولايات المتحدة، بعد فرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة ١٠٪ على جميع الدول تقريبًا، بالإضافة إلى معدلات أعلى بكثير على الدول التى وصفها بأنها الأكثر مخالفة». واعتبرت أن «الخطر السياسى الكبير الآخر الناجم عن النهج الجديد لترامب، والذى يطمس نظام التجارة الحرة العالمى الذى أمضت الولايات المتحدة عقودًا فى بنائه، هو أن من غير المرجح أن يحقق ترامب عائدًا سياسيًا قصير الأجل من رهانه».
