في مشهد غير متوقع قلب موازين أسواق الطاقة، بدأت الصين، أكبر مشتر للغاز الطبيعي المسال في العالم، في تقليص وارداتها من هذا الوقود بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا، مما أطلق صافرات إنذار في أروقة صناعة الطاقة الدولية، وألقى بظلال من الشك على جدوى استثمارات ضخمة تجاوزت المليارات في مشاريع تصدير الغاز حول العالم.
الصين تفرمل واردات الغاز المسال
وللمرة الأولى منذ عام 2022، يُنتظر أن تسجل مشتريات الصين من الغاز الطبيعي المسال تراجعًا ملحوظًا خلال عام 2025، في انعطافة حادة عن التقديرات السابقة التي كانت تشير إلى تسجيل مستويات قياسية في الاستيراد، مدفوعة بتوقعات متفائلة بشأن الطلب.
ووفقًا لتحليل حديث أجرته بلومبرج، فقد خفّضت المؤسسة تقديراتها لواردات الصين من الغاز المسال إلى 74.89 مليون طن هذا العام، أي أقل بنحو 11 مليون طن من التوقعات السابقة، لتسجل بذلك أدنى مستوى منذ سبع سنوات، بعد انكماش حاد في الشحنات خلال شهري يناير وفبراير.
هذا التباطؤ، رغم كونه يوفر هامش راحة مؤقت للأسواق الأوروبية المتعطشة للغاز، إلا أنه يهدد بإغراق السوق العالمية بفائض من المعروض خلال النصف الثاني من العقد الجاري، خاصة مع دخول مشاريع ضخمة حيز التشغيل في مناطق مثل الولايات المتحدة وقطر وشرق إفريقيا.
كما استندت شركات الطاقة الكبرى، مثل "شل" وغيرها، إلى فرضية استمرار النمو الصيني لعقود، وضخت استثمارات هائلة على هذا الأساس، إلا أن الواقع الجديد يعيد ترتيب الأولويات ويضع علامات استفهام حول مستقبل الغاز الطبيعي المسال كمصدر موثوق للأرباح.
وتتعدد أسباب هذا الانكماش، من بينها لجوء بكين إلى بدائل محلية أرخص مثل الفحم، والاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب واردات الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا وآسيا الوسطى، وكلها خيارات أقل تكلفة من الغاز المسال المستورد بحريًا، والذي يتطلب استثمارات مرتفعة في التسييل والنقل من منشآت بعيدة.
كما تلعب الأوضاع الاقتصادية المتباطئة والضغوط لتقليص نفقات الطاقة دورًا أساسيًا في تقليص شهية الصين نحو هذا الوقود، رغم أنه لا يزال يُتوقع أن يرتفع إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي في البلاد خلال السنوات المقبلة، وإن كان التركيز سينصب أكثر على الإنتاج المحلي لتعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على الخارج.
وبالفعل، ارتفع إنتاج الصين من الغاز بنسبة 6.2% العام الماضي إلى مستوى غير مسبوق، فيما تكثف شركات عملاقة مثل "سينوبك" أنشطتها الاستكشافية، في مسعى لتأمين بدائل مستدامة ومستقرة بعيدًا عن تقلبات الأسواق الخارجية.
